نظر الى سيكارته، وضع أصابع كفه اليسرى فوق رأسه، شعره الكثيف كانه يحتوي تلك الأصابع، ياويها.
أقدامه كانت ترتعش، نظر حوله، الضجيج بقي عالقا يمتزج مع اصوات المارة، السيارات المارقة في الشارع كعادتها تقطع الصمت،
الأشجار أغصانها تجعل المشهد لا يخلو من امتداد خضرة مورقة، سيكارته أطفأها المطر، معطفه كان ينتظر شيئا ما، ذراعاه راحا يخفقان كما طائر ينتظر رحلته البعيدة.
في الجهة الاخرى من الرصيف، قطة صغيرة راحت تقترب نحوه، نظر اليها، تمعن في عينيها. حركة الأفق بقيت تشاغله.
الغيمة البعيدة كانت تقترب، تدنو نحوه، كأنها تتحدث اليه، دفء يختلف تماما هذه المرة عن دفء المدفاة التي وضعت عند زاوية من زوايا القاعة الكبيرة.
الأشجار ابتعدت، نظر الى حاوية الأوساخ التي بقربه، رغيف الخبز الذي كان مرميا بجانب الحاوية يبدو انه لم يعد، احس بالجوع. العطش، راح يشاغله.
لحظتئذ، الماضي مع الحاضر كما مشهد تتماسك في أنحائه الحكايات؛ الصور دفعة واحدة تبحث عن جهة يرتد اليها الضجيج، الأصوات تقتحم السكون، الشمس تعود الى لحظة شروقها، القمر تغادره العتمة.
كلماته كما أقدام تتعثر، يضطرب جميع ما حوله، الاشياء بما فيها تلك النافذة كأنها تعوم في بركة ماء.
الكلمات تتلعثم، تنأى كأنها تبحث عن صداها خلف قافلة يسكنها الخواء. القاطرات راح ينصت اليها هذه المرة بتمعن غريب.
الكتل الحديدية تجرجرها سكة تدنو عرباتها من القلب، أنفاسه كأنها تطلق شهيقا مسموعا، تمتم مع نفسه بطريقة مفاجئة. حشرجات لم يسمعها احد، ما عدا صاحبي الذي راح ينصت اليها بدقة متناهية.
آسفل الراس كانت تتسرب اليه حرارة على اثرها جسده أضحى باردا، المختص بالعلاج الفيزيائي وضع غطاءا فوقه، لعله يستعيد حرارته، بينما أنفاسه كانت اضطراباتها تغادر.
الساعة الكبيرة عقاربها توقفت. القطار القادم من جهة الشمال اطلت عرباته بنوافذها نحوه، بينما موظفة خطوط السكك الحديدية كانت تعلن عن موعد الرحلة القادمة. |