في رثاء ديواني الذي فقدتُهُ في ليلةٍ حالكة السوادِ وكنت أعددتُه للطبع ولكن غدر بي الزمان وذهبتْ أحلامي فيه أدراج الرياح
لم يكتفِ الدهرُ في غبني وحرماني
لم يكتفِ الدهرُ في غبني وحرماني
حتى سعى خلسةً يغتالُ ديواني
ديوانُ شعري بهِ الاحلامُ قد ذهبتْ
طيَّ الرياحِ بلا إسمٍ وعنوانِ
بستانُ قلبي بهِ الاثمارُ يانعةٌ
والوردُ مبتهجٌ يزهو بألوانِ
مُدّتْ اليهِ يدُ الآثامِ في غلسٍ
فضيّعتْهُ كما عاثتْ ببستاني
أبكيهِ منتحباً والحزنُ يطحنُني
طحن الرحى أسفاً بالاحمرِ القاني
ضمّتْ حروفُهُ أفكاري وعاطفتي
كما حوى متحفٌ لوحاتِ فنّانِ
جمُّ العواطفِ حرّى تصطلي لهباً
باحَ الفؤادُ بها نفثاً كنيرانِ
في دفّتيهِ حياتي كلُّها رُويتْ
باحتْ بما سرَّني فيها وأبكاني
بوحٌ رقيقٌ على أنغامِ قافيةٍ
بلابلُ الدوحِ تحكي فيه ألحاني
فتارةً أشتكي الايامَ ما اجترحتْ
وتارةً مفصحاً عمّا بوجداني
فيضُ المشاعرِ والأفكارُ قادحةٌ
لطالما بقيتْ في طيِّ كتمانِ
لَمْ يُشفِ غلَّهُ ما لاقيتُ من ألمٍ
في طولِ منفايَ عَنْ أهلي وأوطاني
أما يرى أكؤسي بالدمعِ مترعةً
يديرها الليلُ والندمانِ أشجاني
مالي وللدهرِ يغلو في مخاصمتي
جهمَ المُحَيّا عبوساً حينَ يلقاني
مالي وللدهرِ في الآلام يذكرُني
وفي الملذّاتِ والأفراحِ ينساني
حربٌ عليَّ ويأبى أنْ يسالمني
كأنّني ندُّهُ في جرمِهِ الشاني
كم التمادي فقلبي ليسَ من حجرٍ
ما بينَ جنبيَّ يثوي قلبُ إنسانِ
تفنّنََ الدّهرُ في كرهي وفي ألمي
حتى تعجّبَ من صبري وإيماني
طالَ احتمالي وفيهِ لم أكنْ جزعاً
ولا ذليلاً ولا بالعاجزِ الواني
وإنّما خشيةٌ من شامتٍ نطفٍ
يسرُّهُ وجعي مقتاً وأحزاني
إنّي لأبنيَ صرحَ المجدِ منفرداً
والدهرُ يهدمُ كالموتورِ بنياني
أكادُ أن أنحني للدهرِ منهزماً
لكنّما عِزَّتِي تأبى وتنهاني
فعزّتي كالسُّهى قعساءُ شامخةٌ
فوقَ المساومِ ما بيعتْ بأثمانِ
أما كفاهُ عَنِ الأحباب ابعدني
والقلبُ مرتهنٌ في حبّهم عانِ
للآن لما يزلْ يشقى بفرقتهم
ولا ابتغى الردَّ سلواناً بسلوانِ
لولا اصطباري بما أوتيتُ من جلدٍ
لكادَ من وجعي تنهدُّ أركاني
شتّى الخطوبِ على قلبي قدِ احتشدتْ
ما زعزعتْ ثقتي أو قلّلَتْ شاني
لم يعدلِ الدهرُ يوماً في مناصفتي
وكفّتي عِنْدَهُ تعلو بنقصانِ
فمنْ أعاتبُ دهراً لستُ أفهمُهُ
بلا عيونٍ ولا عقلٍ وآذانِ
إنّي شكوتُ الى مَنْ ليسَ يسمعني
شكوى الحكيمِ الى صُمٍّ وطُرشانِ
إنّي سئمتُ حياةً كلَّها نكداً
حيثُ اتجهتُ رأيتُ الظالمَ الجاني
ما قيمةُ العمرِ أحياهُ بلا فرحٍ
ولا حبيبٍ ولا كأسٍ وندمانِ
نهبَ الهواجسِ والأطيافُ تفزعني
أمستْ تذكّرني بالقاصيَ الداني
إنَّ الحياةَ لكابوسٌ بيقظتنا
نسعى بلا رشدٍ فيها كعميانِ
والعيشُ فيها شقاءٌ لا نعيمَ بهِ
فلابسُ القزِّ يشكو مثلَ عريانِ
وليس من شهرةٍ فيها لذي أدبٍ
ما لم يكنْ خادماً طوعاً لسلطانِ
ما نالَ فيهِا ذوو الالبابِ بُغيتهُمْ
لكنّما الفدمُ كم يحظى بإحسانِ
يسعى بِنَا الدهر للمجهولِ مُحتقناً
حربٌ وتفرقةٌ ما بينَ إخوانِ
حياتنا كلُّها شرٌّ ومهزلةٌ
أمستْ خفافيشها تُزري بعقبانِ
منابرُ الشعرِ بالضوضاءِ صاخبةٌ
يُجاوبُ البومَ فيها جمعُ غربانِ
أرى بلاديَ للأوغادِ مُنتجعاً
تشقى مدى الدهرِ من جورٍ وطغيانِ
مهازلُ الدهرِ فيها جدُّ مُبكيةٍ
ما بين مطرقةٍ أضحتْ وسندانِ
إِلامَ أطلبُ في البلدانِ مُلتجئاً
وكلُّ ذي صلفٍ يحتلُّ صيواني
وأطلبُ العيشَ رغداً في سوى وطني
والسارقونَ سعوا نهباً لدُّكاني
متى بلادي تخلو منْ مصائبها
والشعبُ يحيا بلا ظلمٍ وعدوانِ
ومن طغاةٍ بلا دينٍ ولا خُلُقٍ
للشعبِ قد كشّروا أنيابَ ذؤبانِ
فهلْ تفيقُ وتصحو بعد رقدتها
والشعبُ يحطمُ فيها شرَّ أوثانِ
متى أراها بثوب العزِّ رافلةً
وأرضها تزدهي فخراً بعمرانِ
للمجدِ تنهضُ كالعنقاءِ واقفةً
مِنَ الرمادِ بلا حزنٍ وأضغانِ
إنّي رأيتُ بلاد اللهِ قاطبةً
فلم أجدْ جنّةً ثرّى كبغدانِ
أرضُ العراقِ ذليلٌ مِنْ يفارقُها
لو كانَ مفرقُهُ يزهو بتيجانِ
أرضُ السوادِ بها النهرانِ راويتي
ونخلُها المُشتهى زادي وأطياني
لكنَّها تجتوي عشّاقَها سفهاً
والمستبدُّ بها في حضنها هاني
والمستخفُّ بها تُغنيهِ في سرفٍ
والمخلصُ المحضُ في منعٍ وحرمانِ
|