شمسٌ أشرَقَتْ صباحِ ذلكَ اليوم ذي السماء الصافية لتُرسل شُعاعَها نَحو الارض بِبُشرى وأسرار , تلك البُشرى التي ملأت الخافِقين بِشَذى سحرها , و تَبَوَّعَت على الارضِ مُنْسَدِلةً وهي تَطوي صَفَحاتِها مُهلهِلة مُبتَهجة , لتعبر أوديتَها الصامتة على بساطِ النَّسيم تنقُل الفرحة من مكانٍ لآخر , وبعد أن ملأت الدُنيا ابتهاجا حلت ضيفاً على مكة ؛ لتَهُزَ سُكون فجرها بِبَرَكة أقبال النور الساطع والفجر اللامع , فَتَدافع الفَجران , والتَقَت أشعةُ الشمسين , فطغى شُعاع اشراق شمسِهِ على ما عداه , وسادَ فَجرهُ حاملاً للإنسانية مجدها الذي دَفَنَتهُ الجاهلية حياً تَحتَ رُكام العَصَبية , فاستَقبلت الدنيا صبيحة ذلك اليوم عندَ طلوع فجرِه أشرَفَ الأشراف من عبدِ مَناف , مُتَدَلَّياً من بطنِ إُمه والنور يَشعُّ من فيهِ ( أضاء لأهل مكةَ قُصورَ بُصرى من الشامِ وما يَليها ، والقُصورَ من أرضِ اليمن وما يَليها والقُصورَ البيض من اصطخرِ وما يليها ) ، وقد أزهرت الدُّنيا ليلة ولادته الميمونة , و فِيالقُ الملائكةِ قد اصطفَّت ما بين السماءِ والارض تَصعدُ وتَنزل وتُسَبّح وتُقَدّس , و اصطَكَّت فرقُ الجنِّ مذهولةً لعظمةِ الحدثِ , ورمت السماء الشياطين بشهبٍ فحجبتهم عن رُقيها , وتداعى إيوانُ كسرى منكسرةٌ أضلاعُهُ كموجٍ على شَّاطئ , وماجت البِحار , وخَمَدت النار , إعظاماً لمنزلته وابتهاجاً بمقدمهِ , فكان محمدٌ وخالقهُ المَحمود , وكان قائدٌ فرق الحشود , وكان المُصطَفى واللهُ مُصطَفيه , وكان الرحمةُ من لَدُن الرحمن الرحيم , فأقبل والدنيا تعزفُ برقٍ تراتيلَ الأمل وهي تَبوحُ بسرِها بدفءٍ , ذلك السرُ الذي يَنحدر منهُ السَيل ولا يَرقى اليه الطير , أقبَل والنُبوةُ كثوبٍ لا يَليقُ إلا به , اقبَلَ كَشَمسٍ دفعت طَيفَ خُرافةَ الجاهلية الى وادٍ عميق فأقبرته , بعد أن حاولَ ذلك الطيفُ يائساً تَسَلُقَ سُلّم الحقيقة , وكيف لطيف الخرافةِ ان يبلغَ شمسَ الحقيقة ! , فبإشراقِ شمسهِ أضمحلَّت ظلمات الجاهلية , معلنةً دين التوحيد بدستورٍ فريد قرآنٍ مجيد , فتغير الحال الى كلِ خيرٍ عندَما أشرَقتْ شَمسُكَ سَيدي (ص). |