قصدت احد كبار العرافين , طالبا منه ان يعلمني تسخير وتحضير الجن وما شابه ذلك من الامور الروحانية , ولم اكن الوحيد , فقد سبقني سبعة عشر شابا , فوافق الاستاذ العراف , وشرع بالقاء بعضا من الدروس النظرية , حتى وصلنا الى الجانب العملي , فكان لزاما علينا ان نمضي ليلة في احدى اكبر المقابر في العالم ( مقبرة النجف الاشرف ) , ضمن شروط معينة , واعمال خاصة , فاعدّ الاستاذ لكل منا مكانه الخاص , وكان لي مكاني الخاص .
وصلت الى المكان في وقت مبكر , عصرا , انتابني شيئا من الخوف , فلم اكن شجاعا , ولست كذلك , انما الغاية تبرر الوسيلة , فتسلحت بحب العلم والتعلم , وشد الفضول ازري , كما وان الاموات لا يخيفون احد , بل الاحياء هم مصدر الخوف .
ارخى الليل سدوله , فلم يكن مسموحا استعمال أي نوعا من مصادر النور ( شمعة , فانوس وغيرها) وشرعت بالتلاوة , تلاوة ما قد حفظته عن ظهر قلب , مع اطلاق بخور معين , لم افرغ حتى بعد منتصف الليل , توقف البخور من ارسال دخانه , ففرشت فراشي وهممت بالنوم , سمعت اصوات نباح بعض الكلاب , واصوات غريبة , ربما كان مصدرها الرياح او الحشرات , لاحظت اشياء تتحرك حولي , تتنقل بين القبور , لم ارها جيدا , بسبب ضعف بصري , رجحت الظن انها كلاب تتجول في المكان , فأمسكت العصا التي كنت قد جلبتها معي , فنبح كلب ما بشكل مفاجئ , تلاه اخر واخر , فقلت بصوت عال ثلاث مرات (( بحق جدك قطمير لا تنبح ولا تزير )) , وهذا ما تعلمته مما يقال للكلاب المسعورة , فتلجم ! , فعلا سكنت الاصوات , وكأن الكلاب قد الجمت , وعدت الى الفراش , ونمت حتى اشرقت الشمس .
عدت الى منزل الاستاذ , فوجدته في حالة غير طبيعية , فبعض الطلاب الثمانية عشر قد عضته الكلاب , واخرون اصيبوا بأمراض نفسية , فارسلوا الى الطبيب , و غيرهم يسردون روايات ولا في الاحلام , فوصل دوري , وسألني بما قد حدث لي , فاجبته بكل بساطة لا شيء يذكر !.
قرر الاستاذ ان يعيدني الى المقبرة مرة اخرى , وقد غيّر المكان , ذهبت مبكرا للمكان الجديد , فوصلت قبيل الغروب , هذه المرة لم اخف ولم اشعر بشيء من الخوف , وكأنني قد اعتدت على هذا الامر , بعد فراغي من صلاتي المغرب والعشاء , شرعت بتلاوة المطلوب عن ظهر قلب , حتى انتصف الليل , وهممت بالخلود للنوم , فهجم عليّ كلب مسعور , فقرأت بصوت عال ثلاث مرات ((بحق جدك قطمير لا تنبح ولا تزير )) , لكنه لم يستجب , فقرأت غير ذلك من الاوراد الخاصة بالكلاب المسعورة , لم يستجب ايضا , بل زاد في التهجم عليّ , استغربت من عدم وجود الكلاب الاخرى , فقررت ان اكلمه قلت له (( ايها الكلب .. الا تنظر الى انك وحيد .. وانا وحيد ... في هذا المكان الموحش .. لماذا لا تكون صديقي ... فتسليني واسليك .. حتى يصبح الصباح )) , ما ان انتهيت من هذه الكلمات , حتى توقف الكلب عن النباح , وبدأ يأن بصوت الذليل , وجلس بجانبي خاضعا طائعا ! .
نهضت من النوم قبيل الشروق , فصليت الصبح , والكلب لا يزال متمددا بجانبي , فلملمت حاجياتي , وعدت الى الاستاذ , واخبرته بما دار في الليلة المنصرمة , وظهرت على وجهه علامات التعجب والذهول , واخبرني بانه قد ارسل عفريتا قويا ليخيفني , فكان هذا الكلب , الذي تهجم عليّ , فربت الاستاذ على ظهري , واخبرني بأني حالة فريدة , وسيكون لي مستقبلا باهرا في هذا المجال , ( العلوم الروحانية ) , ووعدني بأنه سوف يتبناني , ويستثمر مواهبي بأفضل ما يكون .
اعد لي الاستاذ هذه المرة مكانا اخر في المقبرة , وكان سرداب كبير تحت الارض , في داخله عدة قبور , بعضها قديم , وبعضها حديث , وتقرر ان امكث فيه سبعة ايام بلياليها , فأوصدت باب السرداب من الداخل جيدا , وكان الاستاذ قد امر عدة اشخاص بجلب الطعام والشراب ( الخالي من الفلافل والسفن والبيبسي ) ويضعونه قريبا من باب السرداب , من غير ان يكلموني , وقد سمح لي بأستعمال الشموع , لغرض القراءة فقط .
مرّت سبع ايام بشكل بطيء , كأنها سبع سنوات , انشغلت فيها بالعديد من الاذكار والاوراد الخاصة , وبعضا من العزائم كالبرهتية و الجلجلوتية والدهروشية وغيرها , وكذلك الاقسام وعدة انواع من الزجر لتسريع حضور عفاريت الجان , حتى كانت اخر ليلة , وبعيد فراغي من كافة الاعمال , انشغلت في لملمة حاجياتي , في اثناء ذلك , كان البخور لا يزال يعمل , فظهرت صورة شاب فيه , ذو وجه اسمر , وشعره متجه للاعلى ( سبايكي ) , بدا لي انه احد ارواح القبور التي في السرداب , فكلمني بصوت رقيق , فقال :-
- خويه اريد اسألك .. عن المسلسلات التركية ... اشصار لعمار كوسوفي ؟ ... لميس بعدهي زعلانه ! ... وادي الذئاب نزل الجزء الخامس لو بعده ؟ مراد قتل اسكندر ؟ ... ميماتي ما صار زين ؟ ... عبدالحي اشلونه ما لونه ؟ ! .
|