• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : بطلان الأعمال لولا الانتظار ! .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

بطلان الأعمال لولا الانتظار !

 بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في سورة الأنعام: يَوْمَ يَأْتي‏ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في‏ إيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)
وفسرت الآيات تارة بالأئمة، والآية المنتظرة بالقائم عليه السلام (الإمامة و التبصرة ص102)
وتارة أخرى بالظهور وعلاماته كما عن الباقر والصادق عليهما السلام: طلوع الشمس من المغرب، و خروج الدابة والدجال (تفسير العياشي ص384)
 
فذكرت الآية الانتظار مرتين: الأولى: قُلِ انْتَظِرُوا، والثانية: إِنَّا مُنْتَظِرُونَ.
 
ولعل كثيراً من الخلق لا يرون لهذا الكلام معنى.. فكم من مرة استعجل الكفار والمنافقون أنبياءهم لإنزال العذاب ! قال تعالى: (وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ‏) وقال: (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُون‏)
 
وعبر القرآن عن الإنسان تارة بقوله تعالى (وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولا)، وتارة أخرى بقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُريكُمْ آياتي‏ فَلا تَسْتَعْجِلُون‏)
 
فنهت الآية الأخيرة عن الاستعجال مقروناً بالوعد بإراءة آيات الله، بينما ذكرت الآية الأولى (بعض آيات ربك) وقرنها الإمام بالظهور المبارك.
فكان انتظار الظهور منهجاً قرآنياً واضحاً لا لبس فيه، وكان الفعل البشري متعجلاً كعادته.. و(إنما يعجل من يخاف الفوت‏)..
 
ويلاحظ المتتبع أن الرفق والأناة كانت منهجاً لعلي وبنيه في أحلك الظروف، فها هو يوصي قادة عسكره بترك العجلة حتى في القتال فيقول عليه السلام: عليكما في حربكما بالتؤدة وإياكم والعجلة (وقعة صفين 125)
وهو بذلك يتبع قول رسول الله (ص): إنما أهلك الناس العجلة. وقوله (ص): الأناة من الله والعجلة من الشيطان.(المحاسن ج1 ص215)
بل ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام أن: العجلة هي الخرق‏ (تحف العقول ص403)
 
وهكذا يتضح أن الله سبحانه وتعالى وحملة رسالاته قد بينوا للشيعة في زمن الغيبة الطريق واضحاً جلياً.. بنهيهم عن الاستعجال والأمر بالسكون إلى أن يأذن الله لوليه، ولا يعرف ذلك إلا بعلامات حتمية لا تخفى على الشيعة الأبرار.
 
وهذه السنة هي سنة الله تعالى في الآخرين كما كانت في الأولين، فلم يكن منهج الأنبياء مختلفاً عن طريق الأولياء والشيعة الأبرار، بل تقدموا عليهم في ذلك، وقد قال إمامنا الصادق عليه السلام: ما أحسن الصبر و انتظار الفرج! أما سمعت قول العبد الصالح: (ارتقبوا إني معكم رقيب) (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) فعليكم بالصبر فإنه إنما يجي‏ء الفرج على اليأس، و قد كان الذين من قبلكم أصبر منكم. (قرب الإسناد 380)
 
ثم قال عليه السلام:
وأنتم قوم تحبونا بقلوبكم و يخالف ذلك فعلكم.. : وههنا يبين الإمام حقائق النفوس وخفاياها وفعال الخلق ظاهرة أو مستورة، فكم من شخص يزعم أنه محب ومطيع يخالف فعله قوله ؟! لقد أقر الإمام لهؤلاء أنهم محبون لهم بالقلب، لكن فعلهم لم يوافق حبهم.. وما ذاك إلا من جهة التعجل والضعف عن الصبر.. حيث يقول عليه السلام بعد ذلك:
 
ما لكم لا تملكون أنفسكم و تصبرون حتى يجي‏ء الله تبارك و تعالى بالذي تريدون؟ : فإن (العجلة) التي اتصف بها (بعض) الشيعة نتجت عن قصورهم أو تقصيرهم في الصبر، وفقدان السيطرة على النفس والعجز عن التحكم بها (ما لكم لا تملكون أنفسكم)..
فهؤلاء يريدون الحق ويطلبونه ويرغبون به وهو الذي سيأتي به الله تبارك وتعالى، ولكن: يقول الإمام:
 
إن هذا الأمر ليس يجي‏ء على ما يريد الناس، إنما هو أمر الله تبارك و تعالى و قضاؤه و الصبر، و إنما يجعل من يخاف الفوت: فليس أمر الله تابعاً لرغباتنا ومشيئاتنا وإراداتنا ! ولا يحدد تسرعنا وعجزنا وقصورنا وتقصيرنا مشيئة الله عز وجل !
 
ولذا لم يخرج الشيعة عن قاعدة التمحيص والابتلاء حتى في زمن الغيبة: فعن الباقر عليه السلام: و كذلك شيعتنا يميزون و يمحصون حتى تبقى منهم عصابة لا تضرها الفتنة.(الغيبة 210)
وعنه عليه السلام: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين و إن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه و لا يعلم متى يخرج‏ منها و كذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا و يمسي و قد خرج منها و يمسي على شريعة من أمرنا و يصبح و قد خرج منها. (المصدر 206)
 
وليس الابتلاء شكلياً هنا أو صورياً، فإن من آثاره أن يخرج عن حقيقة التشيع من كان شيعياً والعكس ! إنها فتنة عظيمة تدع الحليم حيراناً.. وهي التي سبق وأن قال عنها أمير المؤمنين عليه السلام: يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا و شبك أصابعه (المصدر)
 
وعن سيد الشهداء عليه السلام: لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض و يتفل بعضكم في وجوه بعض و يشهد بعضكم على بعض بالكفر و يلعن بعضكم بعضاً (المصدر)
 
وهل هناك سبب يا ترى يبرر مثل هذا التوصيف سوى (الاستعجال) والضعف عن السيطرة على النفس ؟ سواء كان ذلك بدافع الحب والإيمان أم بدافع المكر والخداع !
إنها حالة رهيبة تعتري الشيعة في تلك الظروف، يُكَفِّر بعضهم بعضاً، ذلك أن منهم من لا يتحمل الصبر إلى أن تأتي دولة الحق، وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: إن للحق دولة و للباطل دولة و كل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل ... (الكافي ج2 ص447)
 
مثل هذه (الذلة) الظاهرية قد لا يرتضيها الإنسان المؤمن وهو الذي أعزه الله تعالى بالإيمان، فيعظم عليه أن يكون ذليلاً في دولة الباطل، ويكون أمام خيارين:
1. الصبر والتحمل وانتظار الفرج.
2. استعجال دولة الحق ومحاولة بعثها قبل أوانها بيديه الخاليتين عن التسديد الرباني، ذلك أنه مذخور للإمام المنتظر ع.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: كونوا كالنحل في الطير ليس شي‏ء من الطير إلا و هو يستضعفها (الغيبة ص209)
 
وبعدما بيّن الإمام الصادق عليه السلام ما لا يقبل الله العمل إلا به وعَدَّ (الانتظار للقائم عليه السلام) ركناً منها قال عليه السلام: إن لنا دولة يجي‏ء الله بها إذا شاء.
ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، و هو منتظر، فإن مات و قام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة. (فضائل أمير المؤمنين ص147)
 
فلا يمنع الصبر من العمل بما أمر الله تعالى، بل يقترن بالعمل والجد..
وليس الصبر والانتظار ضعفاً ولا عجزاً.. إنما يمثل قمّة القوة والعنفوان..
نقول في زيارة أمير المؤمنين ع: أنت أول مظلوم وأول مغصوب حقه فصبرت و احتسبت‏ (الكافي ج4 ص570)
وتكرر الصبر على لسانه في نهج البلاغة حين قال: فصبرت وفي العين قذى و في الحلق شجا.. وقال: فصبرت على طول المدة و شدة المحنة..(ص48 و49)
 
وسئل سيد الشهداء ع: يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة ؟
فقال: ويحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي فهربت وايم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا (أمالي الصدوق ص153)
 
فمن مثلك يا علي !
ومن يقدر على مثل صبرك !
 
اليوم يعاب على أتباعك أنهم أطاعوك حيث (سكنوا) و(لبدوا) و(لزموا بيوتهم والأرض) و(لم يثيروا الغبرة) و(لم يحركوا يدا ولا رجلا) لأنهم ينتظرون القائم من آل محمد ع !
اليوم ينتقص العاجزون عن الصبر من قدر أتباعك لما صبروا وتحملوا!
 
اليوم كالأمس.. حين فعلوا ذلك معك ومع أبنائك المعصومين !
 
ومع دعوتنا لأخوتنا بالهداية، فإنا نعلم أن الظهور لن يكون قبل أن يتفل بعضنا في وجوه بعض! ويأتي الخير بعد ذلك على يدي الصاحب من ذريتك..
 
نسعى لهدايتهم، ولكن نؤمن بقوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَنْ يَشاءُ..
 
اللهم إنا نسألك الفرج بعد الشدة..
 
والحمد لله رب العالمين



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86756
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13