• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حديث الوطن .
                          • الكاتب : محمد عبد الودود محمدن .

حديث الوطن

الحديث عن الوطن حديث ذو شجون ، تتزاحم الحروف فيه داخل الكلمة الواحدة ، وتتسابق الكلمات فيه إلى الذهن ، إنه صراع من أجل كبح جماح القلم حتى يبقى طوع بنان الكاتب ، هو حديث تتكاثر فيه ـ كالفطر ـ علامات التعجب والإستفهام ، وتغيب عنه نقطة النهاية.
إنه سبر لأغوار الوجدان ، وغوص في أعماق التاريخ ، و نفض للغبار عن الذاكرة الجماعية للأمة ... إنه استلهام للماضي الذي هو مفخرة الحاضر، وهو أيضا حديث عن الحاضر باعتباره ثمرة لبطولات ذلك الماضي السحيق وعنوانا لديموميتها واستمرارها.
ذلك أننا نتحدث عن الوطن باعتباره تجسيدا للجذور التي تربطنا بهذه الأرض التي هي رمز عزتنا وكرامتنا وهويتنا.
فالوطن مزيج من التاريخ والجغرافيا ، يجمع الماضي والحاضر والمستقبل ويربط الأحفاد بالأجداد ، وهو أرضا وبحرا وجوا يشكل ملكية مقدسة لاتقبل القسمة على اثنين ، لكنها تقبل المشاركة بين أربعة ملايين نسمة وأكثر ، تسعهم بآمالهم وآلامهم بطموحاتهم ومآربهم المختلفة.
الكتابة عن الوطن هي كتابة فنية وشعرية حتى ولو كانت موغلة في بساطتها وخالصة في نثريتها ، لأنها تطفح ـ رغم عفويتها ـ بسيل جارف من الشعور المتدفق بفخر الإنتماء يجرفها نحو التغني بالأمجاد والتعبيرعن الإستعداد للتضحية في سبيل صيانتها.
فنحن حين نبوح بحبنا لهذا الوطن وتعلقنا به لانسدي فضلا ولانتكرم بمعروف بقدر ما نؤدي واجبا ونريح ضميرا ونعترف بواقع.
الكتابة عن الوطن هي رحلة مع قوافل التجارة واستحضار لعهد المستعمر وأيام سطوة الأجنبي، وتذكر للمعارك والأبطال ، واستنشاق لعبق الإستقلال بكل ما يعنيه ويرمز إليه من معاني الأنفة والكبرياء والتملص من قبضة الأجنبي.
إنها عودة لأيام الدولة الناشئة الأولى ، ومواكبة لمختلف مرافقها وهي تنموا شيئا فشيئا بسواعد أبناء بررة ، وبموارد ذاتية متواضعة.
هي جولة بين رفوف المكتبات العتيقة التي تعج بالكتب الصفراء في مدننا التاريخية واستنطاق لما بين السطور ، وتأمل فيما وصل إليه من العلم ذلك المجتمع البدوي المتنقل المعرض لعوامل التعرية التي تتلف الكتب وتقل الورق، المشغول بحياة الإنتجاع وتتبع المراعي والكد من أجل البقاء، وهي نزهة بين أطلال الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض يقف المتأمل فيها ويستوقف عند كل أثر.
الحديث عن الوطن هو في مضمونه وجوهره حديث عن كل شهداءه الذين قدموا أرواحهم رخيصة على أكفهم ليسقطوا في ساحة الشرف دفاعا عنه وذودا عن حماه.
وعن ألئك السائرين على هذا الدرب ممن منحوا أبناء جلدتهم بضاعة الأمن والبقاء مقابل الإحترام والتقدير الممزوج بذلك الإحساس الداخلي بالرضى عن أداء الواجب.
عن ألئك الذين يسهرون الليالي ذوات العدد دون كلل أو ملل ، ولا يستريح أحدهم إلا استراحة محارب...
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم
عن ألئك الذين يعملون في الخفاء من أجل هذا الوطن ، فلا تكاد ترى لهم أثرا حتى على تلك الرمال الناعمة المهجورة في عمق الصحراء التي يمخرون عبابها ليلا ونهارا.
الحديث عن الوطن ـ باختصار ـ هو حديث معاد مهما كان جديدا ، وجهد مقل مهما طال ، أوله الرغبة ، وأوسطه السؤال الكبير: من أين أبدأ ؟ ، ولا ينتهي أبدا !

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : جمال سعيد ، في 2016/12/02 .

مقال رائع للغاية ، يتميز بالجزالة والبلاغة



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86684
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13