تخوفوا من التسوية الوطنية قبل الخوض بمضامينها، والتعرف على بنودها، بل إنَّ البعض راح يُطبِّل في الإعلام هنا وهناك، محاولاً وصفها بالكارثة بحق العراق، وغيرها من التهويلات لمناهضة هذا المشروع الوطني في محاوله لوأدهِ.
إننا لكي نحظى بتحول عظيم، لابد ان ندرك ابعاد هذا التحول ونؤمن به، فأي محاولة للتجديد والتغيير قد تبدأ ضعيفة، ولكنها قد تكون جذرية شاملة اشبه ما تكون بثورة، إنها شرارة التفاؤل لغدٍ أجمل، في خضم الصراع السياسي والعسكري.
اذ أنَّ التسوية كمشروع نهضوي اصلاحي سياسي لكي ينجح، بحاجه لرجال وطنيين، عراقيوا الانتماء والمنهج والعقيدة، رجالٌ ينهضون بالمرحلة، ويكونوا مصداق للذين لم يُبدلوا تبديلا..
الولايات المُتحدة مثلاً؛ ومنذ آمدٍ ليس ببعيد لم تكن عظمى، بل كانت متخبطة، ذات رقعة محدودة بثلاثة عشر ولاية، وقوة بشرية لا تزيد على الاربعة ملايين نسمة، تلك النواة نمت بسرعة هائلة لتصبح اعظم قوة في العالم، ومازالت تحتفظ بتفوقها وقوتها، منذ اكثر مِن خمسين عام!
انطلقت الولايات المتحدة من نواتها بأتجاه المحيط الهادئ، على حساب السكان الاصلين من الهنود الحمر، الذين عاشوا في قارة امريكا، وكونّوا ثقافات وشعوب عديدة، حتّى اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803، وأستولت على فلوريدا من اسبانيا عام 1819، واستطاعت خلال فترة زمنية قصيرة ،ان تتحول من دولة صغيرة متشرنقه على سواحل المحيط الاطلسي، الى دولة قاريّة تسيطر على المحيطين الأطلسي والهادي.
لكن؛ هذا الخليط لم يكن أبداً متجانس، اذ مرّت الولايات المتحدة بمراحل من الصراعات والحروب الاهلية الدامية، استمرت لعقود من الزمن، سببها؛ اختلاف السكان وأصولهم من جهة، وطغيان النعرة العنصرية من جهة أخرى.
فساد، اضطهاد، أصحاب البشرة السمراء، وتضييق الخناق عليهم حتى في مقاعد الباصات، في مشهد من التمييز العنصري بينَ الأبيض والأسود كانَ مشهداً حالك السواد!
الألوان عادت إلى الصورة من جديد، أو أن الصورة بدأت تأخذ ألولنها فعلياً، حتى وصلَ "الأسود" اوباما للمنصة الرئاسية، ليصبح أول رئيس للولايات المتحدة من ذوي البشرة الداكنة.
أشِرنا الى المراحل الطويلة التي مرت بها الحياة السياسية الامريكية، لنتخذها درساً لنا، فدراسة تحولها من التنافر العنصري العرقي، الى التعايش السلمي، بل والارتقاء بمصاف الدول العظمى، قدمت أنموذجاً ليس عيباً إن نحتذي به!
السؤال؛ مالذي ينقص العراق للخروج من الازمة؟!
العراق؛ صاحب ثاني أكبر احتياطي نفطي عالمي، ويمتلك شريانين مائيين يمتدان من الشمال الى الجنوب، أيضاً؛ لديه مساحات واسعة صالحة للزراعة، مع لحاظ الثروة البشرية الضخمة، والأهم إنهُ مستند لحضارة عمرها الاف السنين.
الجواب يكمن في آيةٍ كريمة، "لا يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم "، حيثُ بذره التغيير تنبع من النفوس الصادقة، المحبة للعراق واهله، النفوس التي اتعبها التهجير والقتل والسبي، وذاقت مرارة الألم.
إنَّ بذره التغير هي التسوية الوطنية، فبعد ان فشلت الحكومات السابقة بكسب ثقه المواطنين، للاخفاقات المتكررة، وغياب الرؤية الواضحة لقيادة البلد نحو بر الأمان، وتفشي ال "انا" في خطابات المشهد السياسي، ليتحولوا إلى "ميكرفون" طائفي يمعنون في خلق الازمات، غير مبالين بما قد تنتهي إليه الأمور.
هنا؛ جاءت" التسوية الوطنية " لتُمثل بلسماً لجراح وطن ارهقتهُ الجروح، لتكون مبادرة لحسم كثير من الملفات صبغتها الحروب، وعسكرة المجتمع، وتقديم الضحايا والشُهداء، مبادرة لنا كُلنا؛ للأطفالِ وللنساء والشباب والمستقبل، نتمنى أن لا نرفضها، فنكون كمن أطلق رصاصة الرحمة على رأسه! |