ونحن لازلنا في أواسط المسير قاصدين كربلاء الحسين في أيّام الأربعين ، حاورتُ مَن أحترم عقله من الماشين ، كان منه  : ما سرّ اختيارك الحفر المعرفيّ بثباتٍ ويقين ؟

 

أجابني :  لا أدري إن أنا كما تعني ؛ فلازال الدرب طويلاً عسيراً مُضني ؛ ولاسيّما أنّ السير في الآني  يستدعي الرجوع إلى الماضي لنستشرف غدنا القاصي والداني.

 

أنقذني " التحدّي " حين قذف بي على مرفأ الطموح بعد غطسٍ عميقٍ أسفل السطوح ؛ فانتشلني قارب الأمل الصَّبوح ناصباً بعقلي أشرعة البرء من تلك الجروح  .. كن ياهذا في قبطنة الأفكار ربّانَ الحسم بلا شكٍّ وجنوح  ..

  

وأنا في أسفل الوادي كنتُ أُطيل النظر بشوق المتأمّل إلى قمّة الضاهر البادي ، فتعلّمتُ أنّ كلّ صعودٍ  أوّله حفرٌ حتى العمق في العمق ثم التحليق حتى الأُفق في الأُفق ، علّني أكون " من الخلق في الخلق إلى الخلق " بظلّ بارىء الخلق .  

    

لن أنسى وأنا لم أُنهِ بعدُ العقد الأول من عمري وإذا بذاك الشيخ يصكّ سمعي : أنت  صبيٌّ غبي.

و في أواخر العقد الثاني لامَني صحبي :  لِمَ ولجتَ الفرع الدراسيّ العلمي ؟! 

وفي أواسط العقد الثالث سخروا منّي حين اخترت المجال الدراسيّ الديني .   

و على أعتاب العقد الرابع قالوا لي  :   أنت  " كسول " عاجزٌ عن إدارة أبسط الشؤون ناهيك عن مهمّة التصدّي .

وعلى حافّات العقد الخامس صُنِّفتُ - رغبويّاً - على الرديف التالي..

 

 قلتُ : لا ، فأنا حافرٌ صعب المراس سَمِق . قلتها بعزم الراسخ المحلّق في الأُفق ، من الخلق في الخلق إلى الخلق . 

هذه خمسة تحدّيات أحسبهنّ بالغات التأثير في طيّ الطريق ، قد شحذن بي عزماً وإصراراً لإثبات النقيض .. ولا أنسى أبد ماحييت كيف كان حالي وهنّ يهزن كياني كلّ مرّة من العمق هزّ الزلزال المُقِيض .

لولاها لبقيتُ لاأميز بين الستّ والخمس حتى وإن طاف بي العمر فوق المائة بخمس .

 

ودّعتُ صاحب الأُفق الرشيد قائلاً : شكراً رفيقَ الدرب المجيد  ، درب السبط الشهيد ، أدعو لك بمزيد الخير والتسديد .

 

نأمل بهذه الراشحة : شيئاً من الحقيقة مرويّةً بالسرديّة السليمة والحكاية الأمينة .. ولاسيّما أنّها قد اكتنفت أبعاداً من الحفر بنسقٍ يروم معرفةً بدرايةٍ عميقة.

 

أقول : " التحدّي "مفهومٌ واسعٌ مترامي الآفاق والأطراف .. علّنا نتمحور حوله بصدقٍ وحزمٍ  وإخلاص لإثبات الخلاف ، فغالبُ ما نُوصَف ونُتَّهم ونُصَنَّف ونُلام به مجافٍ للعدل والإنصاف .

 

ثم أقول : وهذه أيضاً رشحةٌ مفيدةٌ تُضاف إلى سلسلة رواشح المشي إلى كربلاء الحسين أيّام الأربعين .