معرض الشارقة للكتاب تظاهرة ثقافية فكرية رائعة , تظافرت الجهود لإقامته وتنظيمه , وقد شاركت فيه أعداد غفيرة من دور النشر العربية والأجنبية.
وتم إفتتاحه في الثاني من شهر تشرين الثاني لهذا العام , وقد زرته في اليوم الثاني لإفتتاحه فأدهشني ما رأيت!!
المعرض بقاعاته وعروضه يعبر عن قدرة عالية على التنظيم والإعداد , وهو يبدو على أرقى ما يمكن أن يكون عليه معرض للكتب في أية دولة أخرى , بل أكاد أجزم بأنه الأروع والأجمل.
لكن ما يدهش , أن المعرض يكاد يشكو من قلة الزائرين والمقتنين , فالذهاب إلى معرض للكتاب يعني الزحمة لكثرة المهتمين بالكتاب , كما كان يحصل في معارض بغداد للكتاب , حيث كانت تكتظ بالناس , وتجد الطوابير بصف الطوابير وهي تنتظر الشراء , والجميع يخرج وقد حمل العديد من الكتب.
أما ما شاهدته في معرض الشارقة للكتاب فلا يمت بصلة لذلك التصور , فحال ترجلي من سيارة التاكسي والتي كان سائقها يجهل حتى إسم معرض الشارقة للكتاب , وبعد أن سألت عددا من أصحاب التاكسيات , خمن أحدهم بأنه يعرفه , لكنني هاتفت أحد الأصدقاء من أصحاب دور النشر في المعرض ليرشدني إلى المكان فأعطاني العنوان , فطلبت من سائق التاكسي أن يوصلني إليه.
وعند بوابة المعرض لم أشاهد الناس يخرجون محملين بالكتب , وإنما مدخله يكاد يكون عاديا , وأي مدخل من مداخل الأسواق العامة أشد زحمة منه.
توقفت عند البوابة أتلفّت ذات اليمين وذات الشمال , وما ألاحظه بضعة أفراد يتوافدون وقلة يخرجون وبيدهم كتاب أو عدد قليل من الكتب.
وعند الدخول , تترامى أمامك القاعات الجميلة التي يجوبها بعض الناس , وأكثر أصحاب دور النشر يجالسون كتبهم بصمت وترقب.
إقتربت من أحد الأخوة الناشرين الجزائريين , وسألته عن الأحوال في المعرض , وعن تجارة الكتاب , فقال كما ترى , الناس لا تقرأ , وخضنا في حوار عميق عن الكتاب ودوره في بناء العقل وصناعة المجتمعات.
قلت له في جميع المجتمعات المتحضرة لا تخلو حقيبة إنسان من كتاب , وأكثر ما تراه أن الناس تقرأ , وقبل إفتتاح المكتبات العامة عند الصباح تجد طوابير من الناس , وهذه المكتبات كأنها في عمل دائب طوال النهار , ويخرجون منها محملين بعشرات الكتب.
وناشر مصري أخذ يحدثني عن معارض بغداد للكتاب وكيف كان يبيع فيها المئات من الكتب , وحتى في معرض أربيل للكتاب قال أنه باع المئات , وأضاف الناس لا تقرا في هذه البلاد.
لكن الواقع يشير إلى أن البلاد يعيش فيها الأجانب الذين لا ناقة لهم ولا جمل بالعربية , فأنت لست بحاجة للعربية لكي تعمل فيها , بل أنهم يرفضون الكلام بالعربية , ويريدونك أن تتكلم بلغة أجنبية , وكلما سألت مَن أصادفهم عن معرفتهم بالعربية ينكرونها , ويجبروني على الكلام معهم بلغة أجنبية , فشعرت بالخيبة والأسف , وتساءلت لماذا لا تكون العربية شرطا من شروط الحصول على العمل , كما هو الحال في أية دولة أخرى؟
فالعرب المهاجرون إلى دول العالم المختلفة يُجبرون على تعلم لغاتها لكي يعيشوا فيها , أما دول الخليج فأنها تتعلم لغات الوافدين إليها , ومعرض الشارقة للكتاب يشير بدلائل واضحة على أن العربية ربما تلفظ أنفاسها الأخيرة فيها , وإلا كيف تفسرون عدم الإكتراث لمعرض عالمي للكتاب العربي , الذي إستقطب مئات الناشرين , الذين كسدت كتبهم المعروضة فيه؟!!
لماذا لم يشارك الناس بكثافة في المعرض من أجل إنجاحه وتعزيز التجربة الثقافية المنيرة الرائعة , التي ما أضاءت إلا في قاعات المعرض , وما جذبت إليها العقول وأسهمت في تنويرها.
خرجت من المعرض أحمل كتبا , وفي رأسي تتردد شكاوى الناشرين وخيبات أملهم , وصورهم وهم يجلسون بصمت بين كتبهم , والممرات تكاد تكون خالية من جموع الرواد والقراء وعشاق المعرفة والثقافة.
وإنها لمحنة عربية حضارية موجعة!!
فالأمم التي لا تقرأ , أمم خاوية متأسّنة!!
وأملي أن أكون مخطئا فتجربة يوم واحد في المعرض قد لا تعكس الصورة بكاملها , وتحية تقدير وإعجاب للقائمين على هذا المعرض الفائق الروعة والتنظيم. |