انتهت معركة كربلاء بقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحُسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في العاشر من شهر محرم الحرام سنة ٦١ هـ، وسبي عياله وأخذهم أسارى مع رؤوس القتلى الى يزيد بن معاوية في الشام، مأساة كبرى ألمت بالمسلمين وهزت مشاعرهم في كل مكان، وفضحت أمر حكام الجور من بني أمية وأظهرتهم على حقيقتهم.
وبعد كل تلك الأحداث القاسية والأليمة بقيت الناس تتساءل حول موضع دفن الرؤوس الشريفة وقد حققنا القول بالنسبة الى موضع دفن رؤوس بني هاشم والتي دفنت في دمشق باب الصغير ولم تنقل الى مكان آخر سوى رأس سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) الذي أرجع إلى الجسد في العشرين من صفر عام ٦١ من الهجرة في نفس العام الذي استشهد في الامام الحسين (ع).
إنّ لعلماء الإمامية في المقام رأيين:
أحدهما: القول برجوع الرأس إلى كربلاء.
والآخر: هو القول بدفنه في النجف الأشرف. وإليك تفصيل الكلام في هذين القولين ومستندهما:
القول الأول: رجوع الرأس إلى كربلاء المقدّسة وهو مدفون بكربلاء عند جثته الطاهرة أعيد إليها بعد أربعين يوماً. ذهب الى ذلك من أعلام الفريقين:
1ـ هشام بن محمد بن السائب الكلبي المتوفى حكى ذلك عنه السبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص 150 ط حجرية 1278هـ) عنه وغيره.
2ـ السيد المرتضى 436 هـ حكى ذلك عنه كل من الطبرسي في (أعلام الورى 255 ط الحيدرية)، وابن شهر آشوب في (المناقب 3 / 231 ط الحيدرية).
3ـ الشيخ الطوسي 480 هـ حكى ذلك عنه من تقدم وقالا عنه انه قال: ومنه زيارة الاربعين.
4ـ الحافظ ابن شهر آشوب 488هـ ذكر ذلك في المناقب كما أشرنا إليها آنفاً.
5ـ الفتال النيسابوري المستشهد سنة 508هـ ذكر ذلك في (روضة الواعظين).
6ـ الشيخ الطبرسي 548هـ ذكر ذلك في (أعلام الورى) كما اشرنا اليه آنفاً.
7ـ ابن نما الحلي في (مثير الاحزان) وقال: انما الذي عليه المعول من الأقوال إنه أعيد الى الجسد بعدما طيف به في البلاد ودفن معه.
8ـ المجلسي 1111هـ في (بحار الأنوار) وقال إنه المشهور بين علمائنا الإمامية رده علي بن الحسين (عليه السلام).
9ـ القزويني 682هـ في (عجائب المخلوقات 67) قال: في العشرين من صفر رد رأس الحسين (عليه السلام) الى جثته.
10ـ ابن حجر الهيثمي 973هـ في شرحه همزية البوصيري قال: أعيد رأس الحسين بعد أربعين يوماً من مقتله.
11ـ المناوي 1031هـ في (الكواكب الدرية 1 / 57) نقل اتفاق الامامية على انه أعيد الى كربلاء ولم يعقب بشيء، وحكى ترجيحه عن القرطبي، ونسب الى بعض أهل الكشف انه حصل له اطلاع على انه أعيد الى كربلاء.
12ـ الشيخ الشبراوي 1171هـ في (الاتحاف بحب الاشراف / 12) قيل: انه اعيد الى جثته بعد أربعين يوماً.
13ـ وأخيراً قال أبو الريحان البيروني في (الآثار الباقية 1 / 331): في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين الى جثته حتى دفن مع جثته.
فهذا القول هو الراجح والأولى بالقبول، لاتفاق كثير من أعلام الفحول من الفريقين الدال على القبول حسب النقول.
القول الثاني: دفن الرأس في النجف الأشرف
إنّ الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام تذكر بقعة واحدة كموضع ومدفن لرأس الإمام الحسين عليه السلام ، هي النجف الأشرف، ولم ترد في موروثنا الروائي أي رواية عن الأئمة عليهم السلام حول أي مكان آخر .
ولا بد لنا من ملاحظة أسانيد الروايات الواردة ودراستها على وجه التحقيق فإن التعبير في بعضها بموضع الرأس الشريف لا يدل على أنه قد دفن فيه.
والخلاصة يتبين لنا من خلال الروايات والمشهور عند علماءنا الإمامية في أن موضع دفن الرأس الحسيني الشريف هو كربلاء المقدسة عند الجسد الطاهر وأن الرأس الشريف رد الى الجسد ودفن معه كما تشهد عليه وتؤيد صحته أقوال العلماء الأعلام من زمن العلامة المرتضى والشيخ الطوسي وغيره من جهابذة التحقيق والتدقيق وهذا هو الرأي الصحيح والأقرب إلى المعقول والمنقول والذي نص عليه علماء الفريقين من السنة والشيعة.
وهناك أقوال كثيرة واختلافات مكانية وزمانية متعددة في موضع دفن رأس الحسين سلام الله تعالى عليه فمنهم من ذهب أنه دفن في مصر وقول في الشام ورواية تقول في المدينة المنورة إلى آخره...ولا شك أنها ضعيفة ولا تنهض أمام قوة الروايات التي تؤكد رجوع الرأس إلى الجسد وقد تكون تلك الأماكن موضع الرأس الشريف لفترة وجيزة ومن ثم أعيد الرأس الى الجسد المبارك.
على كلّ حال فهذه الأقوال هي زيادة فضل وشرف ورفعة لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، فكأنّ الله عز وجل أراد لهذا الولي الشهيد المظلوم أن يكون له في كلّ موضع مقام حتى يُزار وكما قال الشاعر:
لا تطلبوا رأس الحسين***بشرق أرض أو بغرب
فدعوا الجميع وعرّجوا***نحوي فمسكنه بقلبي.