• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإسلام والديمقراطية: سلاطة، بيتزا أم ملوخية؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

الإسلام والديمقراطية: سلاطة، بيتزا أم ملوخية؟

   إنّ المفاهيم تتطور بحسب تطور الشعوب والمجتمعات. والمجتمع التونسي لا يحيد عن هذه القاعدة. وإذا سألنا أنفسنا هل نحن مسلمون أم ديمقراطيون فسنكون في حيرة من أمرنا حول صياغة إجابة تحظى بالإجماع. وسبب الحيرة أنّ المفهومَين غير متعودَين على التعايش. أما الآن وقد التزم مجتمعنا بالديمقراطية فلا بد أن نفعل شيئا لتزويج الطرفين.
ولكي ندرك طبيعة الزواج بين الإسلام والديمقراطية، إن هو زواج مصلحة أم زواج حب أم زواج مُتعة، يُستحسن أن نستعرض بعض الصور المأخوذة من ثقافة غير ثقافتنا، مثل ثقافة الولايات المتحدة الأمريكية التي تشبه بعض الشيء في تنوعها الثقافة التونسية.
إنّ الثقافة الأمريكية معروفة بثرائها الديمغرافي وما يتبعه من تنوع عرقي وديني ولغوي بالخصوص. وربما كانت أول صورة رمزية ذاعت في العالم بأسره واقترنت بالمجتمع الأمريكي إنما هي صورة "قدر التذويب" ("مالتينغ بوت") التي تدل على مجتمع تذوب فيه كل المكونات العرقية واللغوية والدينية في "قدر" واحد، وبالتالي تدل على مجتمع متحد. لكن في ما بعد تطورت الأحوال فتطورت معها الصورة الرمزية للمجتمع الأمريكي. فمن "قدر التذويب" أضحت أمريكا "صحفة السلاطة"، ذلك لأنّ المجتمع صار حريصا على التوحد مع الحفاظ على الخصوصيات الثقاقية (مثل السلاطة التي تحافظ على "هوية" المكونات من الخضروات والمملحات فيها). أخيرا وليس آخرا بلغ التطور الاجتماعي ذروته لمّا صار الأمريكان يفضلون صورة البيتزا. ذلك أنّ البيتزا تحتوي على قاعٍ متحد (السياسة العامة، الوطن، حقوق الإنسان، الحريات والحقوق المدنية، دولة القانون) وعلى طبقة عليا تحافظ  فيها كل المكونات على خصوصياتها. هكذا مثلما تبقى الطماطم والتن والزيتون والكبار والجبن ظاهرة في الطبقة العليا للبيتزا، تبقى مكونات هوياتية مثل العرق والدين واللغة ظاهرة على السطح في الطبقة العليا للمجتمع الأمريكي.
فما هي الصورة التي تصلح بنا في تونس استجابة لضرورة الوفاق بين الإسلام والديمقراطية؟ علمتني البحوث حول هذا الموضوع أنّ "صحفة السلاطة" لا تليق بمقام تونس، البلد ذي الـ15 قرنا من الإسلام، والبلد ذي الانفتاح الطبيعي على العالم. ما يليق بتونس ليست البيتزا أيضا، لأن مجتمعنا لا يضاهي المجتمع الأمريكي في التعقيد الإثني وتفرعاته الدينية واللغوية والعرقية. ولم تبق سوى صورة "قدر التذويب".
لكن الشاهد على الحياة السياسية في تونس  اليوم، وربما في كامل العالم العربي والإسلامي، سيلاحظ أنّ "التذويب" خيرٌ لم يستأثر باهتمام الجميع. إذ صار"التذويب" شرا طالما أنّ هنالك معركة إيديولوجية حقيقية، لا بين طريقة في التذويب وأخرى، وإنما، والعياذ بالله، بين أي المكونَين سيذوب الآخر ويُقصيه: الإسلام أم الديمقراطية. فالإسلاميون يريدون تذويب الديمقراطية وابتلاعها لكي لا يبقى لها أثرٌ. أما العلمانيون فآلوا على أنفسهم أن يذوبوا الإسلام تذويبا لكي لا تبقى إلاّ الديمقراطية. وهذه معركة خاسرة لا محالة.
في الأصل ما الديمقراطية بلا إسلام، وما الإسلام بلا ديمقراطية؟ هذا سؤال لن يقدر على الإجابة عنه من لم يتذوق طبق "الملوخية" على الطريقة التونسية. هل ترى فيها لونا غير الأسود الناعم الجميل؟ هل تميز فيها اللحم من سائر المكونات أم أنّ حتى هو فقد لونه من أجل التماهي مع الطبق كافة؟
في الأخير لا يسعني إلا أن أدعو الله أن يمنح الطباخين غير التونسيين، المُندسّة أنوفُهم في أطباقنا، ذكاءً مطبخيا أرقى لكي يكفوا عن التسلط على الذائقة الوطنية بمحاولة فرض مذاق"سلاطة" غير سلاطتنا؛ فرضها علينا فرضا. كما أدعو الله العزيز الجليل أن يزيد التونسيين والعرب والمسلمين أجمعين هداية لِما فيه خير البلد والأمة قاطبة، من وحدةٍ واتحاد بفضل التوحيد. وهل من مقاربةٍ للتذويب والصهر والدمج والتأليف أنجع من عقيدة التوحيد؟
محمد الحمّار
الاجتهاد الثالث
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8462
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13