مغالطات خطيرة ترتبت عنها نتائج وخيمة على الحرية والسلم العالمي ، ففكرة محور الشر التي لوحت بها الإدارة الأمريكية أثبتت التطورات الأخيرة أنها لم تكن سوى مناورات استخباراتية للإدارة الأمريكية بررت من خلالها غزو العراق وسرقة ثرواته الكبيرة ، بدعوى محاربة الإرهاب والقضاء على أسلحة الدمار الشامل ، وهي كلها مصطلحات طورها "المحافظون الجدد" المعروفون بفكرهم الصهيوني الإجرامي الذي تبلور في العديد من الجامعات الأمريكية على يد المفكر "جون رولس" والذي تبرز "العدالة" في نظره وكأنها توفر الأساس للنظام السياسي الليبرالي ، أكثر مما توفره الحرية والمساواة ، هذه الفرضية استمدت ظهورها من المباديء الأولى للنظرية الليبرالية في العدالة ، والتي تحدث عنها "جون رولس" في كتابه "نظرية العدالة" عام 1971 ، لدخول العولمة في صراع ضد كل التيارات التحررية عبر العالم ، بداية من التيارات اليسارية إلى التيارات الإسلامية المناهضة للغطرسة الأمريكية ، وهذا ما يشكل جانباً آخر من جوانب الصراع الذي تقوده أمريكا ضد العالم الإسلامي من خلال وصف كل الحركات الإسلامية المقاومة كحركة حماس وحزب الله وطالبان والمقاومة في الشيشان في السابق بأنها حركات إرهابية في حين تعطي المشروعية للجرائم الصهيونية وتتستر عليها بل وتدعمها مادياً ومعنوياً ، كما توفر كافة الوسائل في الترويج لفكرة "محور الشر" التي إستغلتها إسرائيل بشكل كبير في محاربة مفكرين وفلاسفة الذين انتقدوا مسألة المحرقة اليهودية وكشفوا مبالغة اليهود وتضخيمهم لها !
إن من أكبر جرائم العولمة هي أنها جعلت العلم في مواجهة الفسلفة ، وذلك من خلال التوظيف السياسي والإقتصادي للمناهج الوضعية التي أفزعت العلم من محتواه الإنساني وأقحمته في دراسة مضامين خاصة بالإنسان باستعمال أساليب مفرطة في المادية والنزعة التحليلية التي مزقت الظواهر الإنسانية وحولتها إلى وحدات خالية من الروح ، كما أشاعت روحاً من التشاؤم بتبني النهايات التي تتناقض مع مبدأ التطور ، الذي يعتبر المحفز الأساسي لتطور الشعوب وازدهارها ، كما تشكل تنكراً واضحاً لمباديء الحداثة التي أعادت للإنسان اعتباره الكامل من خلال إشاعة معاني الحرية والعدالة والعقلانية .
إننـا أمـام تحدي كبير يكمن في ضرورة المراهنة على الفكر الفلسفي الحر وإشاعته بشكل منهجي منظم حتى نتيح له الإضطلاع بدوره الريادي في تنوير الشعوب وحمايتها من الاستلاب والهيمنة العولمية ، كما أننا في حاجة ماسة إلى تشجيع النزعة العلمية وتطوير مناهجها وإشاعة روحها الموضوعية بالشكل المناسب الذي يساعدها على تفادي الأخطاء التي وقعت في العلم كما هو الحال في توفير الأسس العلمية لتفجير القنبلة الذرية على اليابان ، والتي شكلت وصمة عار في جبين الباحثين الذين ساهموا في تطوير هذا المشروع الدموي ، ولعل نبرة الندم التي عبر عنها "آنشتاين" بقوله "لا يجب علينا أن ننسى الإنسانية بين المعادلات الرياضية والقوانين العلمية" ، دليل واضح على خطورة العلم الخالي من القيم الإنسانية والمعاني النبيلة التي يجب عليه التمسك بها في كل المعارك التي يخوضها الفكر الحر في مواجهة مشكلة الاحتباس الحراري والتلوث البيئي وغيرها من الأخطار التي تهدد البشرية .
لم يتردد أنصار العولمة في استغلال هذه الفرصة وذلك في مجال التسويق بإعتماد (قوانين) لإسالة لعاب المدمنين لينكشف بعدها بالتدريج نظريات عدة مختلفة لم نسمع عنها ولم نعرفها سوى من طلبة .. حسن البنا !
والله المستعان .. |