• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هشاشة القانون الدّولي أم وظيفته الإمبريالية؟ .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

هشاشة القانون الدّولي أم وظيفته الإمبريالية؟

لا شيء ثابت في المجتمع الدّولي..اللاّعبون هم أشرس من أن يخضعوا..ولا يخضعون إلاّ في حالات تقوم على انتهاك القانون الدولي..هناك دائما تلك المفارقة التي تقودنا إلى نقيضة كذّاب كريت: إذا استقر النظام الدّولي فذلك بفضل الاختراق الدّائم للقانون، وإذا لم يستقر فذلك نابع من الفوضى المقوضة للقانون..هذا التعقيد في المجتمع الدّولي يجعل كل شيء مجرد آمال، لعلّ أهمّها فكرة العدالة التي باتت مطلبا مفكّرا فيه باستمرار لكنه هو الشيء الأكثر استحالة، لأنّ تناقضات المصالح واختلالات موازين القوى ووجود فاعلين غير الدّولة في العلاقات الدّولية يجعل الاستقرار قضية شبه مستحيلة..إن فكرة إمكانية قيام سلام عالمي استنادا إلى القانون إمكانية غير قابلة للتنفيذ، إذ أن القانون هو نفسه يبني على وهم أنّ الكيانات المعنوية هي وحدات النظام الدّولي، في حين أنّ اللاّعبين ليسوا فقط منظمات عابرة للحدود، وهؤلاء تكمن مصالحهم في تعزيز المنظور غير التقليدي للسيادة، بل أصبح بإمكان الأفراد أن يؤثّروا في وجهة النظام الدّولي الذي هو في حالة انحراف مستمر.
ليس تعريف النظام الدولي بأقل سهولة من تعريف الدّولة نفسها. وكلّ الأوهام التي أدرجت في تصور الدّولة هي نفسها الأوهام التي أدرجت في تصور النظام الدّولي. وهذا أمر طبيعي إذا لم نغفل تلك الحقيقة وهي أنّ الأصل في النظام الدّولي هو الدّولة، والأصل في أوهام النظام الدولي هو أوهام الدّولة نفسها. وليس تقائض الدّولة أو النظام الدولي منبع هشاشتها بل هو أساس وظيفتها التناقضية حيث جدلية المصلحة والأمن. إنّ السلم والحرب في النظام الدولي ليسا جدل متقابلات بل هو سيرورة بنية تناقضية يتعايش فيها الأمران معا، فداخل السلم هناك عناصر حرب فاعلة في صمت، بينما الحرب هي استمرار للسياسة. ففي النظام الدّولي حيث الصراع قائم باستمرار تفرضها تناقضات المصالح وشروط انحراف الجغرافيا، نكون في حالة حرب(l etat de guerre) كما ذهب جون جاك روسو. هناك حيث السلم هو شكل آخر من الحرب ربما أقل كلفة للغالب وأكثر كلفة للمغلوب. الحديث عن السلام هو حديث عن الشكل الآخر من الإخضاع، إذ السلام لا يتحقق إلاّ بعد نتائج الحرب، بينما شروط السلام تحددها الحرب وليس الأساس الأخلاقي للسلام. في غياب العدالة الدّولية يصبح السّلام قهرا وإكراها واشتراطا على الدّول الأضعف. هنا نتساءل ما هو مصير القانون الدّولي في ظلّ نظام دولي يمنح الفرصة لقانون آخر، قانون القوّة؟
يهمّني هنا الإشارة إلى بنية القانون الدّولي باعتبارها بنية تستند إلى تاريخ من المحق الكامل لمنظومة القيم المؤسسة للسلام، ربما يصعب الحديث عن أي لحظة تاريخية كانت فيها العلاقات الدولية أخلاقية، ولكن أقصد هنا بالميلاد التراجيدي للتظام الدّولي المعاصر الذي يستند إلى حربين عالميتين، كان الغالبون هم من قرّر شكل النظام الدّولي، وهم بالتّالي الغالبون الذين يكتبون التّاريخ عادة بما في ذلك تاريخ القانون. ولا شكّ أنّ النّضالات التي شهدها المنتظم الدّولي لم تغيّر من جوهر الوظيفية القهرية لبنية القانون الدّولي التناقضية والتي لا تقوم على النقاش اللاّنهائي حول نصوصه القابلة للتأويل دائما، بل لأنّ سلطة التأويل ومفارقاته هي أخطر من سلطة النصوص ومضمونها العميق. ستظلّ الدولة التي هي الوحدة المنشئة للمجتمع الدّولي رهينة ما أنتجته، بينما سيستمر المجتمع الدّولي في حالته الفيودالية ونكوصه إلى عهد التّحكّمات والفوضى. ترى ما هو المفهوم الذي ينتمي للقانون الدولي يمكن أن يكون محلّ إجماع بين فقهاء القانون؟ المسألة هنا لا علاقة لها بإبستيمولوجيا القانون الدولي بقدر ما هناك سلط غير معرفية تمارس هيمنتها على المعجم القانوني وتفرض ما هو حقيق بالمجال التداولي القانوني الذي يستند إلى نظرية الألعاب التي لها دخالة في تحديد المفاهيم تحديدا وظيفيّا وآنيّا. وكما هو وهم الديمقراطية داخل المجتمعات بما فيها المسمّاة حرّة، هناك وهم ديمقراطية مجتمع دولي فاقد للرّشد وواقع تحت سلطة التمييز والقهر والتهريب. الأمثلة كثيرة في أكثر الأزمات التي تعصف بالعالم، لكن لا ننسى أنّ جوهر المجتمع الدّولي هو قانون القوّة، وسياسة الإخضاع، ولكن كل شيء وجب أن يسلك على أنغام القوة الناعمة وبلغة القانون وليس روح القوانين.. إذا اتّضح كل هذا، فاعلم أنّه لا يبقى أمام الدّول للافلات من قهر الهيمنة القانونية للإمبريالية سوى المناورة قدر المستطاع، ولا يتأتّى لها ذلك إلاّ إذا قاومت وهي متسلحة بنظرية الألعاب والقوة الناعمة وامتلكت رؤية استراتيجية مستقبلية أبعد من مجرد حلّ مشكلات آنية. ربما صحّ قول الشاعر أحمد مطر حين قال: (من يملك القانون في أوطاننا ، هو الذي يملك حق عزفه ).. هذا يتأكد أكثر في المجتمع الدولي..

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=83162
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13