لم يكن مارد الفساد الذي سيطر على كل أطراف ووسط وقلب الدولة العراقية, بكائن غريب في تركيبته ومنهجياته وأساليبه, فقد تعودنا على وجود المنتفعين والسراق خلال تأريخ تشكل الدولة العراقية وتعاقب أنظمة الحكم فيها, ولكن ما يحصل اليوم في التجربة السياسية العراقية, من استهتار بالمال العام, وفساد يعتبر الأقوى في تأريخ العراق, هو في الحقيقة عامل ومعول الهدم الأول, لأي تجربة ناجحة في الحكم, طالما أن قنوات انتشار الأموال, قد خرجت عن السيطرة العقلانية والأخلاقية والقانونية, وبدأت تذهب لجيوب المنتفعين الذين يفتقرون لكل ما يمكن اعتباره مؤهلا للحصول على هذه الأموال.
باتت قضية محاربة الفساد هي الهاجس الأول والأخير لكل مواطن, بل إن هذا الهاجس قضى أحيانا على الجنبة الأخلاقية التي تطلب من الإنسان المتشرع والحصيف أن يمعن وبذكاء وفطنة في تشخيص السراق والمجرمين, ومنطق العقل يأبى أن يُجرم المواطن في اتهامه لكل من هو موجود في منصة العمل السياسي, لأن الصورة أضحت ضبابية, وهول الأرقام التي تذكر سرقات المال العام, جعلت المواطن يعيش صدمة, أعقبتها أزمة, أزمة ثقة, وأزمة إيمان بوطن, وأزمة الاعتقاد بوجود أخلاق فعلية لدى المتصدين!
لم تكن مبادرة خالد الجشعمي, عضو مجلس محافظة النجف عن كتلة المواطن, في فضح الفساد المالي والأخلاقي هي الأولى من نوعها, فقد أدى واجبه الشرعي والوطني في أكثر من موطن, ومقاطع اليوتيوب التي تنقل جلسات مجلس المحافظة التي يظهر فيها خالد فاضحا كاشفا معريّاً لفساد الفاسدين الأخلاقي والمالي والإداري, تشهد له في تلك الدورة وهذه الدورة, ولكن هذه المرة جاءت ضربته موجهة بالصميم لأكبر صرح من الفساد تأسس في النجف, ألا وهو مطار النجف, وما فيه من فساد لمديره فايد, تخجل منه العاهرات.
ولكن, هل حسبها الجشعمي بطريقة صحيحة ؟؟
الرجل وعلى حد علمي لديه ماجستير في القانون, كما انه عمل بمهنة المحاماة شطرا كبيرا من عمره, أي أن لديه خبرة تراكمية في مجال القانون, وهو الآن في الدورة الثانية لمجلس محافظة النجف, أي أنه قضى دورة أولى فحاز على خبرة تراكمية أيضا في مجال إدارة المحافظة وكشف أسباب الفساد فيها, إضافة إلى أنه من عائلة ميسورة الحال, معروفة بأخلاقها وطيبة أهلها, لذا فأستبعد أن يكون من الطامعين بمنفع أو مكسب من عملية كشفه للمفسدين.
مع ذلك, فأنا لا أعتقد أن هذه المؤهلات كافية ليكون الجشعمي ندّاً لرؤوس الفساد ومافياته وحيتانه, فالرجل وبحسب معرفتي به , شريف في المنازلة, صاحب أخلاق حتى في محاربته للباطل, وهي صفات نجد عكسها تماما لدى الذين قام بفضح فسادهم , لذا فالمعركة غير متكافئة الأطراف.
وبحسب ما مر علينا من معطيات, أعتقد بأن الجشعمي قد دخل معركة خاسرة قد يدفع حياته ثمنا لها, فاليد الواحدة لا تُصفق, والفاسدين يملكون أدوات إقناع المجتمع وتضليله وحرف الحقائق والقناعات لديه, والشعب على الرغم من أنه شعب صابر مؤمن مضحي, إلا أنه يقف عاجزا أحيانا أمام أدوات المفسدين التي تحاول التغلغل في قلوب أبنائه وعقولهم, فلا نستغرب مستقبلا حصول حملات اعلامية تسقيطية ضخمة ضد خالد الجشعمي , وقصص توليفية خيالية ستُنسج ضد هذا الرجل, وإدعاءات كاذبة يشيب لها رأس إبليس .. فالقضية ليست قضية آلاف أو ملايين, بل الموضوع يتعلق بمليارات, يسيل لها لعاب الملائكة !!
حمى الله العراق, وحمى الله حشدنا المدافع عنه ضد الإرهابيين, وحمى الله الشرفاء وسدد خطاهم في تصديهم وحربهم ضد المفسدين. |