يوما بعد يوم تتسع رقعة اليأس لدى العراقيين ويزدادون أحباطا بعد أن فقدوا أي أمل لهم بالعيش بظل حياة حرة كريمة، يسودها الأمن والأمان والعدل ،
وخاصة بعد أقالة وزير الدفاع (خالد العبيدي) من قبل البرلمان العراقي! رغم تعاطف غالبية العراقيين معه لشعورهم وأحساسهم بمصداقية ما طرحه من حقائق ووقائع ومواقف وأحداث تخص حالات الفساد المتهم بها رئيس البرلمان العراقي!.
أن واقعة أقالة وزير الدفاع أصابة العراقيين بمقتل لأنهم بالوقت الذي توقعوا بأن أستجوابه كان بداية لضرب الفساد والفاسدين مهما كانت أسمائهم وعناوينهم ومناصبهم وأذا بهم يصابون بخيبة أمل كبيرة حيث أنقلبت الأمور على الوزير وأطيح به!
وتم أقالته من منصبه وسط فرحة خصومه في البرلمان وفرحة أعداءه من عصابات داعش في الموصل الذين أطلقوا زخات من الرصاص أبتهاجا بذلك!! وهذا ما نقلته الفضائيات.
وبقدر ما أعتبر غالبية العراقيين بأن اقالة (العبيدي) هو انتصار للباطل! فأن الواقعة ومجريات وتفاصيل احداثها زرعت الخوف لدى العراقيين أكثر بأن القضاء العراقي رغم تاريخه المشرف ألا أنه يمر بحالة من الأضطراب والتناقض الذي أثر على قراراته!
وقد تمثل ذلك عند مثول رئيس البرلمان العراقي (سليم الجبوري) المتهم بالفساد أمام القضاء العراقي وخروجه سالما معافى نظيف اليد كما ولدته أمه! وفي خلال أقل من ساعة، بالوقت الذي يصدر القضاء في محافظة السماوة حكمه على صبي لم يبلغ العاشرة من العمربالسجن لمدة سنة لسرقته (4) علب كلينكس!!.
وهنا لا بد من التذكير (بأن المحكمة في السماوة التي حكمت على الصبي بالسجن لمدة سنة هي نفسها التي برأت ساحة (عبد الفلاح السوداني) وزير التجارة السابق المتهم بسرقة (4) مليارات دولار والذي يسمونه راهب حزب الدعوة!!!، يذكرأن الموما اليه يقيم في بريطانيا بكل شرف ونزاهة آمنا مطمئنا!).
كما أن واقعة أقالة وزير الدفاع العراقي وبالصورة التي مثل بها في البرلمان وبالطريقة التي تم أستجوابه بها وما رافقها من سب وشتم وتجاوز، وهو يقف على رأس الوزارة التي تحارب أقوى أرهاب ظهر على وجه الأرض ، تعتبر سابقة لم تحدث أن حصلت في أية دولة من دول العالم؟!.
وبالوقت الذي يشعر فيه عراقيي النخبة من المثقفين الحقيقيين والشرفاء والطيبين الذين يحبون هذا الوطن بصدق والذين يؤمنون بحق بدولة القانون والعدل والنزاهة والشرف، بأن رقعة وجودهم في العراق تضيق عليهم يوما بعد يوم بعد أن حاصرتهم مظاهر الجهل والتخلف والأمية والنفاق والأنتهازية والطائفية والعشائرية من كل جانب،
في المقابل يتنفس الطفيليون الذين صعدوا من قاع المدينة والمجتمع الى السطح!، وفي غفلة من الزمن وهم من أنصاف المتعلمين ومن أنصاف المثقفين ومن الجهلة والأميين والمنافقيين والأنتهازيين ومزوري الشهادات والطائفيين والعشائريين،
هؤلاء اليوم هم من يمسكون بصولجان المجتمع بعد أن تسيدوا وسيطروا على كل مرافق الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية ،ناشرين في المجتمع شرورهم وكل أمراضهم الأجتماعية ومركب شعورهم بالنقص، فهؤلاء هم دودة الأرض المخيفة التي أتت على كل شيء ولم تبق على أي شيء!!.
نعم لقد أستطاعت العملة الرديئة أن تطرد العملة الجيدة مع كل أسف، فالشرفاء والطيبين والنزيهين والذين يحبون أقامة العدل وتطبيق القانون والحريصين على أعادة بناء الوطن والأنسان، لا مكان لهم في عراق اليوم الذي يتعرض لأشرس هجمة من الأمية والجهل والفقر والتخلف والفساد والعشائرية والطائفية وأنتشار الظلم وغياب أية صورة من صور الحق والعدل.
ومن الطبيعي أن انتشار الظلم وقسوته وطول ظلامه وانحسار الحق في زوايا ضيقة، ألقى بظلاله القاتمة على عموم الناس وتحديدا على الفقراء والمساكين والمستضعفين، فأنعكس ذلك على أيمانهم الذي بدى عليه الضعف والأهتزاز!!،
والذي كان سلاحهم الذي يواجهون به قسوة الظالم والباطل، بعد أن نفذ صبرهم فلم تعد لديهم طاقة لتحمل المزيد مما هم فيه من ضيم وقهر وفقر وجوع وتردي في كل الخدمات الأجتماعية والأنسانية وبعد الذي جرى ويجري في العراق وما شاهدوه آمنوا أخيرا بالمثل القائل (الظالم سالم) (وعتبة الكافر من ذهب)!!.
وفي لقاء عابرأجرته أحدى الفضائيات مع رجل طاعن في السن من الجنوب العراقي البائس! قال وبلغة الجنوب الحلوة وبكل عفوية وهو يبث شكواه وألمه ( جا لا عدنه ماي ولا كرهباء!( يقصد كهرباء) وكاتلنه اليوع( يقصد الجوع) والضيم وصارلنه سنين بس ندعي ونكول جا بلكت ربك يفرجها، ولهسه ما مش فرج، جا شلون طلعت رواحنه نظل هيج، جا وينه المهدي( يقصد هنا الأمام المهدي عليه السلام) فدواته ما يطلع ويخلصنه!)، أن كلام هذا الرجل الطاعن بالسن وبهذه العفوية يدلل على عمق حالة اليأس التي يعيشها وهذه بالحقيقة حال غالبية العراقيين!.
قال الصحابي الجليل/ أبي ذر الغفاري (أذا ذهب الفقر الى بلد قال له الكفر خذني معك!)، وحسب الأحصائيات الرسمية أن أكثر من 35% من الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر،
أن ضعف الأيمان لدى هؤلاء وأهتزاز أية صورة من صور التقديس لديهم تتحمل وزرها الأحزاب الأسلامية ومسؤوليهم وقياداتهم لأنهم بقدر ما أساءوا الى أنفسهم فأنهم أساءوا للكثير من المعتقدات والمقدسات بعد أن حولوا الدين الى عادة وليس عبادة!.
نعود الى صلب الموضوع لنقول أخيرا: أن العراق يعيش حالة من النزوح الى الخارج لأهم شريحة من شرائحه الأجتماعية وهم شريحة المثقفين والأدباء والعلماء والأساتذة والأطباء والفنانين الكبار شريحة الناس الطيبين والشرفاء الذين يريدون الخير لهذا الوطن والشعب هذه الشريحة التي تعد بحق شريحة البناة الحقيقيون لهذا الوطن، بعد أن تيقنوا بأنه لم يعد لهم مكان بهذا الوطن الذي تسيطرعلى مقدراته جموع الغوغاء والرعاع والذين كانوا قابعين في قاع المدينة! وحسبنا الله.