ركب مروان ابن الحكم طريد رسول الله( ص) بغلة و أتى عائشة فقال لها يا أم المؤمنين إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله ص وو الله إن دفن معه ليذهبن فخر أبيك و صاحبه عمر إلى يوم القيامة.
قالت : فما أصنع يا مروان؟
قال: الحقي به و امنعيه من أن يدفن معه.
قالت: و كيف ألحقه؟
قال : اركبي بغلتي هذه.. فنزل عن بغلته
.. و ركبتها و أخذت تؤز الناس و بني أمية على الحسين (ع)، و تحرضهم على منعه، حتى رشقوا جنازة الحسن (ع) بالنبال ، حتى سل منها سبعون نبلا ، و انطلق به الحسين (ع) إلى مصلى رسول الله الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلي على الحسن (ع) ، فلما أن صلى عليه حمل جنازته و وقف على قبر رسول الله(ص) رمت الحميراء بنفسها عن البغلة و قالت : و الله لا يدفن الحسن هاهنا أبدا أو تجز هذه و أومت بيدها إلى شعرها
فوقفت امام الجنازة وقالت : نحوا ابنكم عن بيتي فإنه لا يدفن فيه شيء و لا يهتك على رسول الله ص حجابه.
فقال لها الحسين عليه السلام: قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول الله ص و أدخلت بيته من لا يحب رسول الله ص قربه و إن الله سائلك عن ذلك.
ثم قال (ع) : يا عائشة إن أخي أمرني أن أربه من أبيه رسول الله ص ليحدث به عهدا .
و اعلمي أن أخي أعلم الناس بالله و رسوله و أعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ص ستره لأن
الله تبارك و تعالى يقول ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ))
و قد أدخلت أنت بيت رسول الله ص الرجال بغير إذنه و قد
قال الله عز و جل (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ))
و لعمري لقد ضربت أنت لأبيك و فاروقه عند أذن رسول الله ص المعاول
و قال الله عز و جل (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى))
و لعمري لقد أدخل أبوك و فاروقه على رسول الله ص بقربهما منه الأذى و ما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله ص إن الله حرم على المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء
و تالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا و بين الله لعلمت أنه سيدفن و إن رغم معطسك !!
ثم تكلم محمد بن الحنفية و قال:
يا عائشة يوما على بغل و يوما على جمل فما تملكين نفسك و لا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.
فأقبلت عائشة عليه فقالت:
يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟
فقال لها الحسين(ع) :
و أنى تبعدين محمدا من الفواطم فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم و فاطمة بنت أسد بن هاشم و فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر
فقالت عائشة للحسين ع : نحوا ابنكم و اذهبوا به فإنكم قوم خصمون
فمضى الحسين ع إلى قبر أمه ثم أخرجه فقام ابن عباس و قال: وا سوأتاه يا حميراء ليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل و يوم على البغلة أ ما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل يوم على هذا و يوم على هذا بارزة عن حجاب رسول الله ص تريدين إطفاء نور الله (( وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
فقالت له: إليك عني و أف لك و لقومك.
رحم الله الشاعر البغدادي حينما قال :
يا بنت أبي بكر لا كان و لا كنت
لك التسع من الثمن و بالكل تملكت
تجملت تبغلت و إن عشت تفيلت
فأخذ الحسين عليه السلام جثمان اخيه الطاهر الى البقيع بجوار امه لابيه فاطمة بنت اسد عليها السلام ، فلما وضع الحسن(ع) في لحده وقف الحسين (ع) يبكي وينتحب حتى بلت دموعه الارض ، وهو يتذكر سيرة اخوته مع هذا المكفن الملحود(ع) وما وقع من الظلم عليه حتى من محبيه ومواليه .