تحدث السيد رئيس الوزراء في أكثر من مناسبة عن نية الحكومة إطلاق خمسة مليارات دولار كقروض للقطاع الخاص في اتجاهات الاسكان والصناعة والزراعة من أجل تحريك عجلة الاقتصاد أولاً وتنويع مصادر الدخل القومي ثانياً وأعربت الكثير من الفعاليات السياسية والاقتصادية عن خشيتها من أن تُهدر هذه الأموال في ظل الوضع الحالي ولا تصب في المجالات التي خٌصصت لها مما يسبب نكسةً جديدة للاقتصاد العراقي الذي يعاني أصلاً من مشاكل جمة في ظل انخفاض اسعار النفط بشكل كبير ونفقات مضاعفة بسبب الحرب التي يخوضها العراق منذ عام ٢٠١٤ وحتى الان ضد داعش . وليس من باب التشاؤم القول ان هذه الخشية في محلها بل هي أكيدة اذا لم تتخذ الدولة خطوات جدية في إصلاح الإدارة المالية بل مجمل الأداء الإداري في العراق . إن الترهل والروتين وضعف الانضباط وانتشار الرشوة والمحسوبية في الكادر الإداري عوامل ذات أثر سلبي بالغ في إدارة المال والحفاظ عليه من الهدر والضياع . لن تنفع كل الحلقات المضافة والكفالات والضمانات إذا لم تكن هناك عقوبات قاسية للمخالفين تعيد هيبة الدولة واحترام القانون . أموال الدولة من الديون الممتازة التي لا تقبل الصفقات والدعايات الانتخابية ومجاملات النواب والعزائم والولائم ، واحترام التعهدات التي تمت حين اقتراضها يعني يعني احترام الدولة ومكانتها ومؤسساتها . اذا أرادت الدولة توزيع هبات أو منح مالية أو تحسين الحياة المعاشية فيمكنها ذلك عبر قنوات مختلفة وليس عبر إطفاء الديون أو التغاضي عن استردادها لأن مجرد التفكير بهذا الأمر لدى المقترضين سيحولهم من أصحاب مشاريع تصب في خدمة الدولة الى محتالين ينوون سرقة هذه الاموال وصرفها في غير الوجه الذي حددت من اجله . لقد كنا نتمنى يوم انطلق مشروع الاصلاحات في هذه الحكومة أن تكون البداية من ضبط الجهاز الاداري للدولة وتحسين اداء الخدمات فيه وتفعيل قانون انضباط موظفي الدولة وانزال العقوبات بحق المخالفين وتكريس روح الخدمة الوظيفية الأمثل والرضا الوظيفي والقناعة بالاجور بدل الدخول في متاهة الاصلاحات السياسية غير المجدية حتى الان . لقد كان ذلك ممكناً عبر سلسلة اجتماعات يعقدها رئيس الوزراء مع المدراء العامين ووزرائهم وتشكيل لجان سرية لفحص أداء الجهاز الإداري في الدوائر الخدمية والاطاحة بالفاسدين متلبسين بجرائمهم وإحالتهم الى اللجان التحقيقية والمحاكم المختصة ، فمن لم يردعه ضميره يردعه القانون وتكون العقوبة ماثلة امام عين كل موظف مهما علا شأنه ومهما كانت الجهة التي تقف وراءه والحزب الذي ينتمي إليه لكي تسير عجلة الدولة الادارية على أفضل وجه حينها لا خشية على المليارات التي توضع تحت تصرف المصارف العقارية والتجارية والصناعية والزراعية لاقراضها لاصحاب مشاريع السكن والزراعة والصناعة ولا خشية أيضاً على استردادها بعدما تؤدي غرضها على أفضل وجه . لازال ذلك ممكناً وعلى السيد رئيس الوزراء ان يتمعن أدوات الاصلاح الاداري جيداً قبل المباشرة باطلاق المليارات الخمسة من الدولارات . اللهم غير سوء حالنا إلى أفضل حال إنك سميع الدعاء .