بسم الله الرحمن الرحيم
القران هو الكتاب الكامل الذي لا يجامل وعندما يوصف فيه شيء بالشناعة فلا ريب انه في قمة الوقاحة والقباحة ويريد منا تعالى الابتعاد عن ما يصفه بالقبح بفائق السرعة ومتنوع الوسيلة، وقد وصف القران حالة بقمة الانحطاط والتسافل والاشمئزاز فيقول تعالى: « وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ » (الحجرات: 12).
قال اﻹمام علي عليه السلام في النهي عن غيبة الناس«إِنَّمَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ وَيَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ لَجَرَاءَتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَلَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلًا لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ».
فالغيبة أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فإن كان صدقاً سُمّي غيبة، وإن كان كذباً سُمّي بُهتاناً.وعن النبي (صلى الله عليه وآله) ـ وقد سأله أبو ذر عن الغيبة _: إنّها ذِكرك أخاك بما يكرهه.وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله): أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال (صلى الله عليه وآله): إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه.
والغيبة محرّمة بالأدلّة الأربعة ـ أعني الكتاب والسنّة والاجماع والعقل، فأمّا الاجماع فواضح، وأمّا العقل فلأنّها موجبة لفساد النظام وانفصام عروة الانتظام، وعليها تُبنى القبائح، ومنها يظهر العدو المكاشح، على ما مرّ توضيحه في شرح كلام الإمام (عليه السلام).
[الدليل القرآني]:
وأمّا الكتاب فمنه قوله تعالى: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» فجعل سبحانه المؤمن أخاً، وعِرضه كلحمه، والتفّكه به أكلاً، وعدم شعوره بذلك بمنـزلة حالة موته.قال الفخر الرازي: الحكمة في هذا التشبيه الاشارة إلى أنّ عِرض الإنسان كدمه ولحمه، وهذا من باب القياس الظاهر، وذلك لأنّ عرض المرء أشرف من لحمه، فإذا لم يَحسُن من العاقل أكل لحوم الناس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك آلم، وقوله «لحم أخيه» آكد في المنع، لأنّ العدّو يحمله الغضب على مضغ لحم العدّو، فقال تعالى أصدق الأصدقاء من ولدته أمّك، فأكل لحمه أقبح ما يكون، وقوله تعالى «ميتاً» إشارة إلى دفع وهم، وهو أن يقال: القول في الوجه يؤلم فيحرم، وأمّا الاغتياب فلا اطّلاع عليه للمغتاب فلا يؤلم، فقال: أكل لحم الأخ وهو ميّت أيضاً لا يؤلم، ومع هذا هو في غاية القبح لما أنّه لو اطّلع عليه لتألّم، كما أنّ الميّت لو أحسّ بأكل لحمه لآلمه ذلك...ومن الكتاب أيضا قوله سبحانه: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ»قال الليث: الهُمزة هو الذي يعيبك بوجهك، واللُمزة الذي يعيبك بالغيب، وقيل: الهمز ما يكون باللسان والعين والاشارة، واللمز لا يكون إلاّ باللسان، وقيل: هما بمعنى واحد.ومنه أيضاً قوله: «لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ» وقوله: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» روى في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله (عز وجل): «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ».
[الدليل الروائي]:
وأمّا السنّة فيدلّ عليها منها أخبار لا تُحصى:مثل ما رواه في الكافي عن ابن إبراهيم عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه.قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجلوس في المجلس انتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما يحدث؟ قال: الاغتياب.وفيه مسنداً عن مفضّل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): من روى على مؤمن رواية يريد بها شينهُ، وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان.
وفي الوسائل من المجالس بإسناده عن أبي بصير، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيّة له قال: يا أبا ذر إيّاك والغيبة فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا، قلت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تُغفَر حتّى يغفرها صاحبُها، يا أبا ذر سباب المسلم فُسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحُرمة ماله كحرمة دمه، قلت: يا رسول الله وما الغيبة ؟ قال: ذِكرك أخاك بما يكرهه، قلت: يا رسول الله فإن كان فيه الذي يُذكر به؟ قال: اعلم أنّك إذا ذكرتَه بما هو فيه فقد اغتبتَه، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه.وفي الوسائل أيضاً عن الحسين بن سعيد في كتاب الزهد مسنداً عن زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: تحرم الجنّة على ثلاثة: على المنّان، وعلى المغتاب، وعلى مُدمن الخمر.وفيه أيضاً عن أبي عبد الله الشامي، عن نوف البكالي أنّه قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في رحبة مسجد الكوفة فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقلت: يا أمير المؤمنين عظني، فقال: يانوف أحسِن يُحسَن إليك... إلى أن قال: قلت: زدني قال: اجتنب الغيبة فإنّها أدام كلاب النار، ثم قال: يانوف كذب من زعم أنّه وُلد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة.وفي المكاسب لشيخنا العلاّمة الأنصاريّ (طاب رمسه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه خطب يوماً فذكر الربا وعظّم شأنه فقال: إنّ الدرهم يُصيبه الرجل أعظم من ستّة وثلاثين زنية، وإنّ أربى الربا عِرض الرجل المسلم.وعنه (صلى الله عليه وآله): من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين صباحاً، إلاّ أن يغفر له صاحبه.وعنه (صلى الله عليه وآله): من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب خالداً في النار وبئس المصير.وعنه (صلى الله عليه وآله): كذب من زعم أنّه وُلد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة، فاجتنب الغيبة فإنّها أدام كلاب النار.وعنه (صلى الله عليه وآله): مَن مشى في غيبة أخيه وكشف عورته كانت أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنم.وروي أنّ المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنّة، وإن لم يَتُب فهو أوّل من يدخل النار.وعنه (صلى الله عليه وآله): إنّ الغيبة حرام على كلّ مسلم، وإنّ الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.قال شيخنا (قدس سره): وأكل الحسنات إمّا أن يكون على وجه الاحباط لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه، أو لأنّها تنقل الحسنات إلى المغتاب كما في غير واحد من الأخبار، ومن جملتها النبويّ: يؤتى بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الربّ (عز وجل)، يدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته فيه، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي لا أرى فيه حسناتي، فيقال له: إنّ ربّك لا يضلّ ولا ينسى، ذهب عملُك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويُدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فإنّي ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: إنّ فلاناً اغتابك، فدُفعت حسناته إليك».وفي عقاب الأعمال بإسناده عن أبي بردة قال: صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم انصرف مسرعاً حتى وضع يده على باب المسجد، ثم نادى بأعلى صوته: يا معشر الناس لا يدخل الجنّة من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تتّبعوا عورات المؤمنين، فإنّه من تتبّع عورات المؤمنين تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته فيفضحه ولو في جوف بيته.وفيه أيضاً بإسناده عن حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):أربعة يؤذون أهل النار من الأذى، يُسقون من الحميم والجحيم، ينادون بالويل والثبور، فيقول أهل النار بعضهم لبعض: ما لهؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى: فرجل معلّق عليه تابوت من جمر، ورجل تجري أمعاؤه صديداً ودماً أسود نتناً، ورجل يسيل فوه قيحاً ودماً، ورجل يأكل لحمه، فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد مات وفي عُنقه أموال الناس لا يجد لها في نفسه أداء ولا وفاء، ثم يقال للذي تجري أمعاؤه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده، ثم يقال للذي يسيل فوه قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان يُحاكي فينظر إلى كلّ كلمة خبيثة ويحاكي بها ثم يغتاب الناس، ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنّ الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة.وفي الأنوار النعمانيّة للمحدّث الجزائري عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: مررت ليلة أسري بي إلى السماء على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم.
في عدم جواز استماع الغيبة:
قال شيخنا في المكاسب: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف، فقد ورد أنّ السامع للغيبة أحد المغتابَين، والأخبار في حرمته كثيرة، إلاّ أنّ ما يدلّ على كونه من الكبائر كالرواية المذكورة ونحوها ضعيفة السند.
أقول: ومن جملة الأخبار الدالّة على حرمته ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال بإسناده عن أبي الورد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله وأعانه في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته حقّره الله (عز وجل) في الدنيا والآخرة.وفيه أيضاً في حديث طويل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ومن ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ الله (عز وجل) عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة، وإن لم يردّ عنه كان عليه كوزر من اغتاب.وفي الوسائل عن الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن الغيبة والاستماع إليها، ونهى عن النميمة والاستماع إليها، وقال: لا يدخل الجنة قتّات ـ يعني نمّاماً ـ ونهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله (عز وجل)، ونهى عن الغيبة وقال: من اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه، ونقض وضوءه، يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذّى بها أهل الموقف، وإن مات قبل أن يتوب مات مستحلاًّ لما حرّم الله (عز وجل). ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه، ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة، فإن لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة.
فالسامع يشارك المغتاب في الاثم ....فهو المعين له والمشارك بالأكل او على الأقل فهو ينظر الى هذا المشهد المزري فكيف يهنئ بالمشاهدة ؟ وكيف يسكن فحري بنا الابتعاد عن هذه المشاهد كعادة ابتعادنا عن مشاهد القبح بل علينا ان نصل الى مرحة الاشمئزاز والانزعاج -حتى تصبح ملكة -من هذا العضال الديني الاجتماعي وذلك لأضرارها الدينية والاجتماعية فهي سبب لكثير من الجرائم وسبب للتسقيط وسبب للخصومة والبغضاء والهجر وانعدام الثقة والتشكيك وتطول قائمة المفاسد، وذلك بالتأمل في جوهر هذه الحالة وتذكر ما جاء فيها من النصوص الشريفة التي تبين مفاسدها وعذاب صاحبها .
وعلاجها إنّما هو بالعلم بما يترتّب عليها من المفاسد الدنيويّة والأُخرويّة، وبالتدبير في المضارّ المترتّبة عليها عاجلاً وآجلاً.أما المضارّ الدنيويّة: فهو أنّها تورث العداوة والشحناء، وتوجب غضب المغتاب، فيكون في مقام المكافاة والمجازاة لشنيع قولك، فيغضبك ويؤذيك ويُهينك، ومن ذلك ينبعث الفساد، وربّما يؤول الأمر إلى ما لا يمكن علاجه، بل قد يؤل إلى القتل والجرح والاستيصال وإتلاف الأموال وغيرها.وأما المضار الأُخرويّة: فيحصل التنبّه عليها بالتفكّر والتدبّر في الآيات والأخبار الواردة في ذمّها وعقوبتها، وبالعلم بأنّها توجب دخول النار وغضب الجبار ومقته، وتحبط الحسنات وتنقلها إلى ميزان حسنات المغتاب، فإن لم تكن له حسنة نقل الله من سيّئات خصمه بقدر ما استباحه من عرضه، قال (صلى الله عليه وآله): ما النار في اليبس أسرع من الغيبة في حسنات العبد.وإن كانت الغيبة في العيب بالخلق فليعلم أنّه عيب على الخالق، فإنّ من ذم الصنعة فقد ذمّ الصانع. قيل لحكيم: يا قبيح الوجه، قال: ما كان خلق وجهي إليّ فأُحسّنه. وروي أنّ نوحاً (عليه السلام) مرّ على كلب أجرب فقال: ما هذا الكلب؟ فنطق وقال: يا نبيّ الله هكذا خلقني ربي، فإن قدرتَ أن تغيّر صورتي بأحسن من هذه الصورة فافعل، فندم نوح على ما قال وبكى أربعين سنة، فسمّاه الله نوحاً، وكان اسمه عبد الملك أو عبد الجبّار.وروي أيضاً أنّه مر عيسى (عليه السلام) ومعه الحواريّون بجيفة كلب فقال الحواريّون: ما أنتن ريح هذا الكلب، فقال (عليه السلام) ما أشدّ بياض أسنانه، كأنّه نهاهم عن غيبة الكلب وتعيبه،فانظر إلى عظم الخطر في تعييب الناس، فإذا لم يرض أولياء الدين بعيب ميتة حيوان، فكيف بعيب النفوس المحترمة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن شغله عيب نفسه عن عيوب الناس.
والحمد لله رب العالمين