حاولت ان اجد رفيقا ومحبا وأخا يواسي غربتي في هذا العالم الممتد، فلم اجد اقرب من حبيب وأخ ورفيق فقدته على خارطة الزمن لتبقى ذكراه خالدة هكذا في مملكة الروح تغني على أنغام قيثارة بقيت تحمل انفاس اورفيوس.
هذا الفضاء الذي لم تحده فواصل مكانية او وجدانية، هو كماء النهر هذا الذي لم تلوثه مصادر العفن المحملة بفساد المصالح ومستنقعات دهاليزها المؤكسدة.
هو بسمرته الشاحبة وملامح صورته البريئة ينقلك الى نهر الفرات، هنالك حيث شاطئنا المسكون بضفاف النخل، وزوارق الشباك المتعانقة مع أمواج الدهلة تلك التي تحمل معها رائحة التراب.
الصيف هذا اللون المحلى بأروقة السماء لم يزل يعانقه المطر، يتدلى كما ثنائية تحمل بين أنغامها رسالة عشق معطرة بانغام قيثارة موجوعة بألم اورفيوسي يتبعه شوق مسكون باللوعة والبكاء.
هنالك في تلك الزاوية من الارض، بين الغريق والمنقذ، بحيرة تطوف حول امواجها استغاثات لم تصل الى عالم الارض، النهر زرقة ترافقها تلك الأصناف الوديعة من الطيور، الخضيري نوع متميز من أصنافها يجذبك باطلالته اليه.
عفش الصيادين وتلك الشباك تراها دائماً تحب معاشرة هذا النوع من التجاذب؛ الغروب رغم انكماشه تراه يفترش ألوانه المتعانقة، كأنه يعطيك صورة متكاملة عن انبساطات الضوء بنهاراته ولياليه، بربيعه وخريفه، بشتائه وصيفه، باحزانه وأفراحه، بعوالمه المسكونة بالضوء والظلمة.
المنطقة تلك على شاكلة بركة مائية ساكنة كان يودع معظم أطرافها الغروب؛ يسحب بساطه في تلك السويعات التي لم يفارقها عالم الحياة، الموت آنذاك كان هو الاخر يفرض هيبته، كما لو انه لون اخر من ألوان الغسق الغارب في اول ظلمة قبل حلول الليل.
هنالك على شاكلة هذا اللون من الإغراء، الغريق كما اوردوسيوس اختطفته الصمت كما الافعى ليأخذا به الى عالم تحت الارض.
المنقذ كما اورفيوس خاطب ذلك السكون، لكي لا يعود الى بيته بوحدته البائسة، ألقى بنفسه لعله يحظ بإنقاذ شقيقه الذي اختطفه هيدز الملبد بخوارات الموت، الغرق يومئذ تحول الى سفينة لم تعد قادرة لان تعوم في عالم الحياة، مات اورفيوس، لكن أنغامه بقيت تعطر انفاس الحياة. |