عام 2001 خرجنا بتظاهرة عراقية فخمة في مدينة واشنطن الأمريكية ضد نظام صدام، ورغم أن الجو كان ماطراً، والبرد قارساً، إلاَّ أن العراقيين الملسوعين بنار الدكتاتورية جاءوا من مختلف المدن الأمريكية.. وأذكر ان الراحل الكبير أحمد الچلبي قد شارك في هذه التظاهرة، فضلاً عن بعض الأسماء من أبناء الجالية العراقية آنذاك، أمثال عدنان الزرفي محافظ النجف السابق، وعماد الخفاجي الناطق بإسم رئيس البرلمان الحالي، وحميد مراد رئيس الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، ونبيل رومايا سكرتير الإتحاد الديمقراطي ونزار حيدر مدير المركز الإعلامي العراقي في واشنطن
وغيرهم. وهنا أتذكر الدكتور الچلبي الذي إجتمع بعدد من المشاركين بعد إنتهاء التظاهرة، متحدثاً عن مجمل الأوضاع السياسية آنذاك، وعن قرب سقوط نظام صدام، وفي نفس الوقت أجاب عن اسئلة عديدة طرحها المشاركون في التظاهرة، كان من بينها سؤال عن توقعه لشكل نظام الحكم القادم في العراق بعد رحيل صدام..
فقال الچلبي: اتوقع أن يكون نظاماً ديمقراطياً راقياً، ليس فيه مكان للقمع، والإضطهاد، والتمييز، والظلم، والإلغاء، ولا فيه تجاوزات على حقوق الإنسان العراقي.. وأتوقع أيضاً أن يكون نظاماً إنتخابياً، تداولياً سلمياً. يكون فيه للديمقراطية، وللتكنوقراط مكان كبير..
أو أن يكون نظاماً.. !! ثم صمت الدكتور الچلبي.. ولم يكمل!!
لكن صاحب السؤال، قال له:
- أو شيكون دكتور..؟!
فضحك الچلبي، وقال: أو يكون نظام هوسة يريمه.. لا ديموقراط، ولا تكنو قراط..!!
فقال صديقنا : يعني ديموخراط.. تكنو اغلاط..أبو النعلچة!
لقد تذكرت هذه الحكاية، وأنا أرى جلسة البرلمان التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي، برئاسة سليم الجبوري، وحضور حيدر العبادي، وما حصل فيها من كوارث دستورية، ومهازل نيابية، وذبح للقيم الديموقراطية..
ولا أريد أن اتذكر صورة النواب المعتصمين في جلسة يوم الثلاثاء وهم (يچفتون) للقاعة التي إتخذها الجبوري والعبادي موقعاً للتصويت على ما يسمى بالكابينة الوزارية، بعد أن (زنجلها) رئيس مجلس نواب الشعب، ليمنع (نواب الشعب) من الدخول اليها، والتعبير عن آرائهم ومواقفهم من دستورية الجلسة وقانونية التصويت على الكابينة
لقد تأكدت من توقع الراحل الكبير (أبو هاشم)، وانا أرى مهزلة (الثلاثاء) التي أصبحت هوسة يريمه فعلاً.. وأسوأ ما فيها عملية سلق بيض الكابينة الوزارية على نار راجفة!!
ومن يرى العكس، عليه ان يجيبني على سؤال واحد من هذه الأسئلة:
*من تمكن منكم، او إستطاع معرفة عدد النواب الحاضرين بجلسة سليم الجبوري بشكل مضبوط، وليس كما إدعت الرئاسة.. وهل ان النصاب قد تحقق واقعاً، وفعلياً..؟
*من نجح منكم في عدِّ الأصوات الموافقة على قبول هذا المرشح، أو رفض ذاك، وهل تم عدّ الأصوات، والتأكد منها تماماً؟
*من يعرف عدد النواب المعتصمين الذي ظلوا خارج القاعة، ولم يسمح لهم بدخولها وعدد النواب الذين (چفتوا) مع العبادي الى القاعة؟
*كم عدد الوزراء التكنوقراط فعلاً، من الذين تم التصويت عليهم يوم الثلاثاء وما المقاسات العلمية التي يتم بها قياس التكنوقراطية؟
*من يستطيع منكم -حتى هذه اللحظة - معرفة الوزراء الذين تم فعلاً التصويت لصالحهم (يعني إشگد: خمسة .. ستة .. أربعة ..)؟!
وعدد المرشحين الذين لم يحصلوا على التصويت المطلوب ؟
* من يعرف موقف الكابينة الوزارية من الوزراء الكرد، ووزراء المجلس الأعلى، وغيرهم.. وهل سيستبدلون أم لا.؟ لأن ثمة غموضاً يلف وضعهم.. فوزراء كتلة الأحرار مثلاً قد قدموا استقالاتهم علناً الى رئيس الوزراء وقطعوا علاقاتهم بوزاراتهم منذ تقديم الإستقالات. وهل سيتم التصويت على إستقالات الوزراء الكرد المدللين، حتى لو لم يكن لهم بديل، مثلما حصل مع الجعفري، حين صوَّت البرلمان على استقالته رغم عدم التصويت على قبول بديله في الكابينة الجديدة؟
*هل أن وزراء الكابينة الجديدة وزراء محاصصة طائفية أم وزراء محاصصة حزبية..؟ لأن الكرد يقولون بأن لنا -كأكراد -ثلاثة وزراء، ولا يهمنا من أي حزب كانوا..المهم أنهم كرد! وهذا يعني أنها محاصصة طائفية.. بينما السيد عمار الحكيم يقول ان للإستحقاق الإنتخابي دوراً كبيراً في أولويات التشكيل الوزاري، وهذا يعني انها محاصصة حزبية كتلوية. بينما يقول علاوي أنه شخصياً ضد الرأيين.. فهو يريد وزارة (تكنو قراط) خالصة..دون أن يحدد الآلية التي يتم فيها إختيار وزراء التكنوقراط..
*وأسوأ ما في مهزلة الثلاثاء، ذلك الإتهام الذي إنتشر في صفحات التواصل الإجتماعي عن الرئيس العبادي وطلبه من الجبوري بإعتقال النواب المعتصمين -ولا أعرف مدى صحة ذلك - ورفض الجبوري للطلب، بقوله: أن للنواب حصانة دستورية وكأن العبادي لا يعرف تلك الحصانة؟!
وثمة نقاط كثيرة اخرى لا يسع المجال لها هنا.. لكن المؤكد ان نظام العراق الحالي هو نظام (ديموخراط.. تكنو إغلاط.. أبو النعلچة)!! |