هذه الرواية الثانية للكاتب ( ضياء الخالدي ) . وهي من ضمن حصيلة الروايات , التي ظهرت في السنوات العشرة الاخيرة , وتمثل النضج للرواية العراقية , في متابعة مسار الواقعية الجديدة , في الانتاج الروائي , بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 . ومجيء الى الحكم الاحزاب الطائفية , لتتحكم في مصير المواطن والوطن . وهذه الروايات هي صدى وانعكاس للواقع الجديد , والتي اثمرت بالتغيير النوعي لدفة مسار السرد الروائي , في ملاحقة التحولات والتطورات والانقلابات العاصفة التي عصفت بالواقع الملموس , وتميزت بالتراجيدية السوداء , في اجتاحها عتبات زمن الرعب والموت الطائفي , الذي اجتاح العراق وترك بصماته وجراحة في كل زاوية منه , ولا تترك مجالاً للمواطن البسيط ان يتجنب نارها الحارقة , وان ينجو بجلده من العنف والارهاب الدموي , الذي حط بظلاله المشؤومة على كل الطوائف , ولم يستنثي طائفة واحدة من نسيجه الوطني , الكل في دوامة الموت العشوائي , وقلبت المعايير السياسية والدينية والاجتماعية والنفسية , واثرت على الوعي , لتقوده نحو السقوط والهاوية , فقد تحكمت به الطائفية في نزعتها المدمرة وقادته الى الانهيار , في بروز ثقافة الدم والعنف , التي تغذيها وتمولها الاحزاب الطائفية والقادة الجدد , فاصبحت عصابات الطائفية في القتل والاجرام حديث الشارع العراقي , الى حد التذمر والانفجار , وصار مصير العراق معتم بالظلام الدامس , في بشاعة العنف الطائفي , هذه الخيوط العامة التي تحركت عليها احداث مسار رواية ( القتلة ) للكاتب ضياء الخالدي , في رسمها وتصوير البشع للرعب الطائفي . وهي تمثل صرخة مدوية في انحدار الى الهاوية السقوط في فخ الطائفية , من خلال صفحاتها ( 192 صفحة ) من السرد الروائي , في احداث هزت العراق الى حالة التدمير والخراب , بأسم الدين والطائفة , بعد ان اجتاحت الشوارع والمناطق وحوش برية شرسة , تكشف عن انيابه لسفك الدماء , ان السقوط في عمق الوحشية , واستنساخها بأبشع صورة وحشية مرعبة , كما جاءت مقولة ( نيتشه ) في متن الرواية ( من ينازع وحوشاً . يجب ان ينتبه جيداً , ألا يتحول الى وحش . فحين تطيل النظر الى الهاوية . تنظر الهاوية اليك ... ) اي تقمص الوحشية لتكون نسخة متكاملة من الرعب والاجرام والسقوط المشين , وتاريخ العراق مضرج بحروف الدم والقتل والموت . منذ سقوط الملكية , ومجيء مجازر البعث الدموية الاولى عام 1963 , ثم مجازرهم ثانية بعد عام 1968 , وخاتمة المطاف الاحتلال الامريكي ومجيء احزاب الطائفية , ليسقط الواقع الفعلي في براثن الرعب الطائفي , هذه المسارات الدموية الملطخة بالدم الطائفي اعتمدتها الرواية في متن سردها المشحون بالانفجار , وهي تتحدث عن ثلاثة اصدقاء قدماء يلتقون بعد غياب اكثر من ثلاثة عقود , لتأسيس عصابة الموت , تحدث ذريعة أسم شركة للاستيراد والتصدير , يقودها ( ديار ) المدعوم بالمال والدولار الوفير , من جهات مشبوهة ومريبة النوايا والاهداف , وبحجة الوطنية المزيفة والمخادعة ( اغتيال السيئين , وتنظيف البلد من الانتهازيين والجهلة واللصوص . بأيدينا )ص34 . هذه الشماعة المخادعة في انقاذ الوطن من المجرمين والقتلة , تساهم في زيادة حدة الا حتراب الطائفي , وزيادة الجثث المرمية في الطرقات , مجهولة الهوية . يعني هذه الاغراض الخبيثة تزيد من دائرة الرعب الطائفي وتوسعه نحو التصعيد الخطير , وتتحرك احداث الرواية على هذه المسارات الدموية , ولتسليط الضوء اكثر , لابد من ذكر احداث شخوصها الاساسيين , وتوضيح صورتهم الى القارئ , بكل شخصية له دوراً معيناً في ميلودراما السوداوية لاحداث الرواية وهم :
1 - عماد الغريب : الشخصية الرئيسية في احداث الرواية وهو محركها وساردها الاساسي . انه موظف متقاعد وزجته ( مديحة ) عاقر . عاشر احداث دموية ملتهبة من تاريخ العراق . منذ العهد الملكي الى الاحتلال الامريكي عام 2003 , وتنقل في معتقداته السياسية المتناقضة , من اليسارية الى البعثية والى الاسلامية . ينضم الى زمرة القتلة , ( شركة الموت ) التي شكلها اصدقاءه القدماء ( ديار وعبود الحداد ) مقابل 600 دولار شهرياً , وبعد تعمق وخبرة ودراسة اتضح له مآرب الخبيثة للشركة , في مساهمتها في القتل الطائفي , واحداث الرعب والموت في كل مكان , وانها مزيفة ومخادعة لاتحمل اية ريحة وطنية , ويعترف خطأ انضمامه ومشاركته في حفلات الموت المجاني , وانهم قتلة ومجرمون محترفون ,يديرون رحى الحرب الطائفية ( أنا اقاتل ضمن مجموعة , توقعت انها لا تنتمي لاي حزب او عقيدة , سوى عقيدة الوطن والدفاع عنه . فكانت العقيدة , هي المال والنزعة الى تدمير الوطن المقدس ) ص18 . ويتذكر صديقه القديم ( ديار ) صاحب الشريكة , بأن تاريخه ملطخ بالعار والسواد المشين , فعندما كان مراهقاً اغتصب ابنة الجيران , وتحت التهديد بالقتل اضطر ان يتزوج ابنة الجيران لمدة عام ثم طلقها بعد ذلك , تستراً على فضيحة العار , والشيء الاخر اكثر عاراً بالسقوط الاخلاقي . حين كشف اعضاء خليته الى حزب البعث مقابل الحصول على المال , لان تلك الفترة , وضع حزب البعث نصب عينه هدف , بتصفية الكوادر المثقفة في الحزب الشيوعي , وحينما انكشف سر خيانته وعمالته هرب الى خارج العراق . ورجع الى العراق ليساهم في احداث القتل الطائفي , ويمارس علاقات مشبوهة ومريبة , تحت شماعة الدفاع عن الوطن , فحين يوجه ( عماد الغريب ) كلامه الى صديقه القديم ( ديار ) .
( - الانسان اليساري , لا ينحرف الى هذه الوساخة
- لست يسارياً . كانت مرحلة المراهقة وانتهت . وكما انت لست يسارياً !! )ص140 .
وحين يسأله لماذا لا يوجه سلاح القتل ضد الامريكان , ونتصيدهم بالموت . يجيبه :
( ان العراقيين السيئيين اخطر من المحتلين . فالامريكان سيرحلون عن البلد , مهما طال الوقت . الوسخ العراقي - ابن الكحبة - كما وصفه . سيبقى ينخر جسد الوطن )ص80 . وحين يسأله ما مغزى القتل الطائفي , وماذا يقودنا وما الهدف المرتجى منه , في بشاعة الاجرام والرعب . يجيبه :
( السنوات علمتنا الغربة , ان نلتقط الفرصة , كما ألتقطها القادمون الجدد للبلد , وألتقطها صدام حسين . علينا ان نترك ما تقوله الكتب والاديان )ص139 , ويحاول ان يتخلص ( عماد الغريب ) ويبتعد عنهم , ويقطع علاقته بهم لانهم قتلة مأجورين , لكنه لم يستطع من الانفلات منهم , رغم انه غير دار سكناه اكثر من مرة , وتنقل في مناطق مختلفة من بغداد , لكنه ظل تحت مجهر المطاردة والمراقبة , وتيقن انه اصبح هدف لتصفية والقتل . ويضطر الهرب الى كركوك , وفي منتصف الطريق , تأتي المكالمات الهاتفية بأنهم يعرفون بانه هرب الى كركوك , وهم في الطريق اليه لارجاعه , والتعهد بسلامة حياته , يصابه الاحباط والعجز ويستسلم الى المصير المجهول , تاركاً حياته للعبة القدر الملعون ويرجع مع زوجته الى بغداد .
2 - عبود الحداد : الاصلع وجه البشاعة والاجرام , والشريك الاساسي في عصابة الموت , والذيل المطيع لمآرب ( ديار ) الجهنمية . عاد الى العراق بعد غياب اكثر من ثلاثة عقود . وهرب من العراق , بعدما انكشفت هويته , بأنه كان يعمل خط مائل لحزب البعث يتجسس ويكشف اسماء اعضاء الحزب الشيوعي ويقدم التقارير بأسمائهم مقابل منح اموال من حزب البعث . يقول عنه ( عماد الغريب ) متهكماً بنذالته وحقارته ( الاصلع قاتل مأجور يعمل مع الجميع ) ص110 .
3 - الشيخ مؤيد : امام مسجد , ويمثل وجه الاجرام والرعب والوحشية الدموية . وقد كشف عن انيابه الوحشية بعد سقوط صدام حسين . وبرز قيادياً طائفياً فوق العادة . ويقود مجموعات مسلحة طائفية , من الخنازير البرية الشرسة , لتقوم بوظيفة القتل السادي والاغتصاب ومصادرة املاك المواطنين البسطاء ( لينفذ حكم الله , بأسم شريعة الله للقتل ) ص112 . انه طائفي مقيت بوحشية وبضمير ميت , لكنه مدعوم بقوة من العمائم الملوثة بالدماء الابرياء , وحين يتساءل ( عماد الغريب ) عن شكل اهمية الدين ( ما فائدة الاديان أذاً . حين تكون سبباً للقتل ) ص163 .
4 - ديار : صاحب شركة القتل والموت تحت ذريعة ( شركة للاستيراد والتصدير ) . ويعود الى العراق بعد غياب اكثر من ثلاثة عقود , ليشارك في معاول الهدم لتحطيم العراق , ولكن تحت شعارات وطنية مزيفة . ويعتقد بأنه سيصل الى اهدافه المريبة والمشبوهة , طالما يملك الدولار الوفير .
5 - ابو حمدان : الشخصية الانتهازية المتقلبة والمتنقل في مزاجه السياسي , حسب المناخ السياسي , ويغيره بكل بساطة كالافعى الحرباء . فمن اليسارية الى البعثية , واثبت بانه مجرم محترف ودنيء وسيء الاخلاق , فكان يكتب التقارير الحزبية الى حزب البعث , بالتهم والوشاية التي تقود الى الاعدام , فكان ينشر الرعب البعثي , ويهلك اروح بريئة , ومتسلط على رقاب الناس البسطاء , فكان يلاحق بسلاحه الهاربين من جبهات والموت , ويتشمم كالقطط الوحشية عن ريحة تهمة ووشاية , فكان وجه مخيف , يتحاشاه الناس , ويبتعدون عن شره . وكان حين يثمل بخمرته يصرخ بالناس . بأن زوجته عاهرة , امام بكاء طفليه ( حمدان وغسان ) . يتحول الى وجه طائفي مقيت , ليواصل حياته الاجرامية , تحت رعاية واحتضان الاحزاب الطائفية له , ولكن اجرامه تحت مظلة الاحزاب الاسلامية تعدى الحدود , ويتخذ قرار بتصفيته وقتله . يستدرجه ( عماد الغريب ) حسب مخطط عقد القتل والاغتيال كما هو متفق عليه ( امرت أبا حمدان , بأيقاف السيارة في المكان المحدد , حسب عقد الاتفاق . بحجة ان الصديق سيأتي هنا وبحسب اتفاقنا . لحظات والسيارة البيضاء تقف امامنا . نزل الاصلع ( عبود ) وتوجه نحونا . مركزاً نظره على ابي حمدان . الذي ابتسم معتقداً انه صديقي , ومع انحناءة جسدي نحو الاسفل . بادره برصاصة , حطمت رأسه . متناثر دماغه على زجاج النافذة الامامية . كانت عيناه تحدقان بي ) ص10 .
6 - شكرية : العجوز التي تخطت الثمانين عاماً , وتنقلت في حياتها . من عاهرة الى قوادة الى قارئة الفال . بالضبط كتدرج تاريخ العراقي بالسقوط من الملكية الى الجمهورية الى الدكتاتورية والطغيان , ونهاية المطاف الاحتلال والطائفية , وثقافة الدم والعقلية التي تؤمن بالخرافة والشعوذة , تلعب ادوار مريبة مشكوك في نواياها . فحين يقول عنها الجزار الطائفي ( عبود الحداد ) موجهاً كلامه اليها :
( - انتِ ام الناس , كلها في هذا البلد . نريدك ان تكوني بيننا , ما تبقى من عمر تستطيعين فيه , خدمة الناس , سمعنا عن قدراتك وبصيرتك الخارقة . سنقدم لك راتباً كبيراً
اجابت :
- انا اساعد الناس بما املكه . لا تظنني عجوزاً خبيثة , همها المال
قدم ( ديار ) لها سيجارة , لكنها رفضت ,
اجابها عبود :
- لم اقصد ذلك . انما اقول عليك ان تساعدينا في الوصول الى السيئين . القتلة . اللصوص . النكرات في مجتمعنا !! .
- انا معكم ) ص33 .
7 - حمدان : الشاب الذي تطحنه متاهات الضياع والتيه , ويحاول ان يجد موطئ قدم , في ظل الضباب الكثيف . انه يبحث عن قاتل ابيه , ويتميز بالبساطة والهدوء والمسالمة , يكره العنف ويجزع باحباط من الحزن الشديد على حالات الموت . بالجثث المجهولة المرمية في الطرقات ومقالع الازبال . يحاول ( عماد الغريب ) ان يكسبه بالانضمام الى عصابة القتلة , لكنه يرفض .
( - ياعمي ميليشيات . سنية وشيعية . تقتل العراقيين . لا اريد ان اكون فيها ) ص49 . ويحاول ان يجد رأس الخيط الذي يقوده الى القاتل أبيه , وهذا ما يثير الفزع والخوف في نفس ( عماد الغريب ) الشريك الاساسي في عملية قتل ابيه . يحاول ان يتهرب من الاجابة . بشتى الوسائل .
ان رواية ( القتلة ) تمثل صرخة مدوية ضد القتل الطائفي وقد برعت في تجسيده وتصويره بكل دقة وعناية من الوقع العراقي الفعلي , الذي يندفع الى المصير المجهول .
×× رواية ( القتلة ) للكاتب ضياء الخالدي . صدرت عن دار التنوير للطباعة والنشر . بيروت . لبنان . ( 192 صفحة )
|