• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : وقفة مع (براتراند رسل) .
                          • الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو .

وقفة مع (براتراند رسل)

 أن يعتبر نفسه فيلسوفا محترفاً,ثم يناقض نفسه في أقلِّ من صفحتين,فيقول في ص20 شيئاً,ويخالفه في ص21,فتلك مصيبة,ولكن مالي أبدأ القصة من الأخير,دعوني أبدأ القصة من أولها.
يقسمُ المناطقة العلمَ إلى تصورٍ وتصديق,وكلاهما ينقسمان إلى بديهي ونظري,
1- التصور البديهي ,وهو كتصور لمفهومي الوجود والعدم.
2- التصديق البديهي,وهو كتصديقنا بأنَّ النقيضين لايجتمعان.
3- التصور النظري,كتصورنا لحقيقة الروح.
4- التصديق النظري,كتصديقنا بأنَّ الارض متحركة,والقمر ليس فيه حياة.
وهنا يجب أن نلاحظ أن البداهة تعني التصديق او التصور بالإضطرار والبداهة,والنظري يعني التصور والتصديق بعد كسبٍ وفكر.
ثم إنَّ التصديق البديهي هو إذعان النفس بلا دليل,والتصديق النظري هو إذعانها بدليل,وهذا ليس في التصور النظري أو البديهي لانهما ليس فيهما إذعان لأنه لاحكم فيهما.
والنقطة الجديرة بالاهتمام هو ان جميع إدراكاتنا ومعلوماتنا ترجع إلى قضايا بديهية ,ولولا هذه القضايا البديهية لما أمكننا أن نخطو خطوةً واحدةً في طريق العلم,لأن القضية البديهية (أ) إذا احتاجت إلى قضية بديهية أخرى ولنفرض أنها (ب) وهذه تحتاج ألى إثباتها الى الاستدلال عليها بالقضية (ج) وهذه إلى (د) التي تحتاج بدورها إلى إثباتٍ أيضاً,وهكذا إلى مالانهاية, فلن تكون عندنا قضية بديهية ترجع اليها قضايانا النظرية.
كان رسل يعتقد أنَّ جميع القضايا العلمية يجب البرهنة عليها بما في ذلك بعض البديهيات الرياضية,ويرى أن جميع مافي الكون لايجب التسليم به إلاَّ بعد البرهان عليه,فإنَّه لما درس الهندسة الاقليدية عند أخيه,وأخذ التعريفات,ثم انتقل منها إلى البديهيات,قال له أخوه:- (أما هذه فلايمكن برهانها,ولكن يجب التسليم بها) نظر إليه بغيظٍ وقال (ولكن لماذا لاأُسلِم بهذه الأشياء إذا كانت لاتبرهن)؟
ولكن هذا الكلام يُعتبر خطيئة فكرية من مثقف,فضلاً عن من يدَّعي الفلسفة ,هذا كله كان في ص20من كتاب (صورٌ من الذاكرة).
في ص21 ناقض رسل نفسه من حيث لايشعر, فإنَّه كان يعتقد - كما اعتقد ديكارت - أن وجوده لاشك فيه,وإحساسه بالعالم الخارجي من حوله حقيقة يقينية لاتهتز.
هنا نلاحظ,انه رسم قهمه لاستدلال ديكارت لاكما الفهم المشهور,فإن المشهور قالوا إنَّ ديكارت استدلَّ بشكه باعتباره لوناً من ألوان التفكير على وجوده,وهو استدلالٌ خاطيءٌ,لأنه استدل بالاخفى على وجوده,الذي هو أصلاً ظاهرٌ بنفسه مُظهرٌ لغيره فلايحتاج إلى استدلال,لانه من باب العلم الحضوري الذي من مصاديقه هذا,أعني علم الإنسان بنفسه,وهو علمٌ حتى مع الغفلة والنوم...الخ.
في حين ان عبارة رسل توحي بأنَّ ديكارت صنع العكس,وهو انه استدلَّ بوجوده على وجود العالم من حوله,وسواءٌ كان الامر هذا أو ذاك,نقول لرسل:-
لو فرضنا ان عبارتك حكت استدلال ديكارت الذي حذوتَ حذوه,كما فهمه المشهور,وهو الاستدلال بالشك على الوجود,فإنَّك لم تبرهن على ان لديك شكاً,بل ارسلته إرسال المسلمات,وجعلته أمراً بديهياً مع انك ترى انه يجب قيام البرهان على جميع القضايا حتى البديهيات,
وإن فرضنا انك فهت استدلال ديكارت خلاف المشهور,وانك استدللت بوجودك على وجود العالم الخارجي,فإنَّ الوجود هو تصور ضروري أولاً ,وهو لايحتاج الى برهان ثانياً,ومع هذا ارسلته ارسال المسلمات مع انك لاترى ان هناك قضية مسلمة وان الجميع يحتاج الى برهان,وهذا هو التناقض الذي وقعت فيه خلال صفحتين,وصدق الشهيد المطهري في كتابه (الدوافع نحو المادية) حيث عزى اسباب ضعف التفكير الغربي في ماوراء الطبيعة هو لضعفهم في الفلسفة.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=76608
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 04 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12