• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة نقدية : قصيدة تساؤلات :للاستاذ عبد الرزاق الاشقر /سوريا .
                          • الكاتب : صالح هشام / المغرب .

قراءة نقدية : قصيدة تساؤلات :للاستاذ عبد الرزاق الاشقر /سوريا

 التشكيل البصري وجماليات الاسناد والتركيب اللغوي .
رغم ضيق الوقت ونزولا عند رغبة أصدقاء أكن لهم الحب والاحترام سأتناول هذه القصيدة الشعرية بمقاربة نقدية بسيطة  لا يمكن أن توفيها حقها كما سبق أن ذكرت ، و من جانبين فقط لأن الوقت لا يسمح بالتفصيل في خصائصها ومقوماتها الفنية :
___ من حيث التشكيل البصري لتكوين النص :
___من حيث جماليات التركيب والإسناد اللغوي !
وذلك لما هذين العنصرين من أهمية قصوى في النصوص الشعرية بصفة عامة ، الشاعر في هذه القصيدة ظل وفيا للقصيدة التقليدية منذ العصر الجاهلي إلى عصر الثورة  على التكوين البصري وحتى على موسيقاها الشعرية بكسر  بحور الخليل والاقتصار على التفعيلة  والاعتماد على الإيقاعات الشعرية ، الحديثة ، الأستاذ عبد الرزاق ، ظل وفيا للقصيدة القديمة أو ما نسميها بالقصيدة العمودية ، التي تعتمد أساسا  على البيت الشعري  لا على السطر الشعري كما ألفناه في الشعر الحديث ، هذا التشكيل البصري الذي تحترم فيه القصيدة وحدة البناء ، والروي والقافية ،كما تحترم تقسيم البيت إلي صدر وعجز ، ولا أريد أن أدخل في هذه التقنيات لضيق المكان ،هذه القصيدة ، خيف فيها الفراغ ،هيب فيها هذا الفراغ الذي طبع التجربة الشعرية العربية منذ القديم ، ولعل السيطرة السواد على البياض وتقليص الفراغ في مساحات ضيقة ترتبط أساسا بذلك الصراع الذي كان يعيشه الشاعر على مستوى جدلية  ذات الشاعر في حركتها مع محيطها الخارجي  والذي ينكعس بشكل أو بآخر على نوعية هذا التشكيل البصري الذي قد يشد القلب قبل أن يثير العين ، وبين الفضاء الداخلي للشاعر والذي يتجلى في المضامين والمحتويات والتي لم تكن تخرج عن حدود الأغراض الشعرية كما سبق أن صنفها النقاد القدماء والتي لا تربو عن الخمسة ، ربما هذه القصيدة يمكن اعتبارها استثناء في هذا الخضم الكبير من الشعر الحديث الذي تنوع وتطور إلى درجة كاد يفقد فيها كل مقومات الشعر وجمالياته ، اعتبرناها استثناء لأن القصيدة  حافظت على التشكيل البصري التقليدي الذي بمجرد ما تسقط العين وتلتقط الأبيات ينحرف الفكر فورا عن مساره ويغوص في ماض فحول الشعراء العرب في مختلف عصور القصيدة القديمة ، فهي على مستوى البيت الشعري تحترم جزئي البيت من صدر وعجز ، ولا تخرج عن حدود القافية الواحدة والروي الواحد ، وهذه سمة أساسية في القصيدة التقليدية قبل ان يعلن الشعراء عصيانهم لهذه القافية حيث بدأ التنويع في القوافي والروي ، وبالتالي بدات بوادر التجديد تتجدر في جميع مقوماتها ، إذ ما لحق الشكل سيلحق حتى المحتويات والمضامين ، وستتحول من التطرق إلى ماهو لساني إلى ما هو إنساني ، تنتهي القصيدة بروي الدال ،  استسيغ تسميتها برويها فهي دالية ، فهي لاتقل أهمية عن دالية أبي العلاء المعري ، والتي مطلعها :
غير مجد في ملتي واعتقادي ،،،،،،نوح باك ولا ترنم شاد 
أما على مستوى المساحة ، فالسواد يلتهم البياض ، ويحتوي الفراغ ، ويخنق فيه الأنفاس ،فلا يترك له مجالا لامتصاص  السواد ،كما هو الشأن بالنسبة للقصيدة الحديثة التي استحود فيها الفراغ على تشكيلها رغم اختلاف الدفقة الشعورية من شاعر إلى آخر ومن قصيدة إلى أخرى ، الاشقر سار على النهج التقليدي القديم ،فخنق الفراغ وتمكن من السيطرة على المساحات مع الحفاظ على ذلك البصيص من هذا الفراغ الذي ظل يفزع الشاعر الجاهلي الذي عرك الصحراء وعركته ، هذا الفضاء الممتد الذي كان يأخذ منه الأنفاس فيؤثر بشكل أو بآخر على تكوين القصيدة على مستوى الشكل ، وحتى لو لم تكن هناك أسباب موضوعية لخوف الأشقر من الفراغ ، فإن الوفاء لشكل القصيدة التقليدية له أهميته في إبداع قصيدة ( تساؤلات ) وأشير هنا إلى أن الأشقر يستحق كل احترام وتقدير لأنه كانت له الجرأة على الكتابة على هذا المنوال الذي أصبح يخيف الشعراء في العصر الحديث ، خصوصا الشباب ،والذين صراحة لم نعد قادرين على تمييز ما يكتبون حيث اختلط الحابل بالنابل ،إذن نخلص من هذا الحديث على مستوى تكوين فضاء النص البصري ، إلى خلخلة جدلية البياض والسواد ،كما هو الشان بالنسبة للقصيدة الحديثة ، إضافة إلى تقليص الفراغ واستغلال المساحات كما هو الشان للقصيدة العمودية التقليدية ، نهنيئ الشاعر على هذه الجرأة التي أعادت هذا الشكل إلى الوجود بعدما بدأ ينقرض شيئا فشيئا ، ولكن خروجه عن حدود الزمان والمكان  اعتقد سيضمن له الاستمرارية !!
لن اغوص في طلب المعاني على اعتبار أني أحتفظ بذلك لنفسي ، وسأركز على التركيب والإسناد في القصيدة الشعرية باعتباره ديدن نجاح الأثر الأدبي وفق ما تذهب إليه المذاهب النقدية من الجرجاني إلى دريدا ، أي من نظرية النظم إلى المنهج التفكيكي في النقد الحديث ، وأنت تبحر في متاهات القصيدة تجدها تختلف نسبيا عن عن التركيب في القصيدة الحديثة إذ كان الانزياح يستعين فيه الشاعر  بكل الوسائل كأدوات التشبيه و الاستعارات وغيرها ،لكن  هذه القصيدة توظف فيها اللغة المجازية  التى تتجاوز حدود التأويل والتفسير ،فالشاعر يحطم المألوف ، على مستوى منطوق النص ، ويعمد إلى  إسناد الكلمات إلى أخرى لا علاقة لها بها على مستوى المقومات والخصائص (فالشعر / مجنون .....وضحكت / كلماتي ......ترامت على ضفاف الخلود،،، رست في بحاره كل نجوى ....أيقظت نسائم الفجر ،،،،، ) هذه عينات فقط للحديث عن أهمية التركيب في خلق القصيدة الشعرية الرائعة ،، فالملاحظ أن الشاعر للحديث عن الشعر وجمالياته وشجونه وجنونه وتاثيراته في نفسه نحى منحى الانزياح من خلال إسناد (ضحك) مثلا وهي مستعارة من حي عاقل نام متغد ومتوالد وفان ، وإسنادها إلى( الكلمة ،)التي لا تفهم إلا من خلال مجموعة من الأصوات ، والتي أيضا تتوقف على هذا الحي والعاقل الخ ، فيقوم الشاعر بالجمع بين كلمات تختلف اختلافا عميقا ،، لكن براعته تجعله يحتوي هذا الاختلاف ،ليؤلف بين قلوب هذه الكلمات ، فتستمد الواحدة جمالها من التي قبلها أو بعدها ، ومن تم تحصل مزية التركيب وجماله ،و تستمر سلسلة جمع أعناق المختلف والمؤتلف من الكلام  إلى أن يكمل سياق النص ، وبالتالي ، يتم تجنيسه في نوع معين من الأدب إذ توكل هذه المهمة للنقاد ،ولعمري إن ديدن أي نجاح في الإبداع يتوقف على هذا النوع من التركيب ،ولا يقتصر هذا على الشعر فحسب وإنما يمس جميع الفنون الأدبية ، وكلما توغلنا في مجاهيل القصيدة نلتمس إبحارا في مستغلقاتها إلا وتفاجئنا الأبيات بتراكيب أكثر خرقا لمنطق اللغة ، فالشاعر يغوص في هذا الترتيب ، أليس هو الصيرفي الحاذق الذي يحسن اختيار مواضع كلماته؟؟ ، أليس هو البناء  الماهر ا لذي يحق جغرافية الحائط حق المعرفة ،فيختار للآجرة مكانها المناسب  ، فكذلك الشاعر بناء ماهر وصيرفي حاذق ، يمارس سلطته هذه على كلماته ، من أجل خلق الصورة الشعرية التي تثير في نفس المتلقي شهوة الغرابة والاندهاش ، ونشوة فك وتفكيك الرموز ، وهدم بناء النص ، وإعادة بنائه وممارسة الإبحار والعبور في فضاء اللغة ، التي لا تعدو أن تكون بحارا بلا شطآن و أنهارا بلاضفاف ، ومساحات بلا تخوم ، هذه بعض الارتسامات التي لن توفي القصيدة حقها ، ولتسمح لي الأبيات التي لم أتحدث عنها أواهملتها ، أو لم أشد بتراكيبها ،فهي كلها لا تقل جمالا عن الأبيات الأخرى فقد طبقت فرض الكفاية لا فرض العين  ،بورك الإبداع !!!!
بقلم الاستاذ : صالح هشام 
الاحد 20-3-2016
 
النص المعتمد / عبد الرزاق الاشقر 
 ((...تساؤلات...))
أينَ شعري و أينَ رجعُ قصيدي
                       و شبابي و حاضري و تليدي
ضحكتْ منْ جنونِهِ كلماتي
                         و تماهتْ بنبضةٍ في الوريدِ
ولدتْ منْ فنونه كل أنثى
                       و ترامتْ على ضفافِ الخلودِ
و رستْ في بحارِهِ كلُّ نجوى
                    تحملُ الصّمتَ في ظﻻلِ الوعودِ
دغدغتْهُ بريحِها و هْوَ مغمىً
                         في دروبٍ منَ المحبةِ سودِ
أيقظتْهُ نسائمُ الفجرِ صبحًا
                         نافثًا  روحَهُ  برفض ِ القيودِ
ذكرتْني قصائدٌ حبَّ قيسٍ
                        يا لَليلى تعيشُ عيشَ الطريدِ
و جميلاً و لا بثينةَ يهوى
                          كيفَ  يحيا بقلبِهِ دون َ غيدِ
زارَني حبها فكيف بحبّ
                      كلُّ  حرفٍ مدادهُ  من ْ صدودِ
رغمَ إنّي منَ الحنينِ أُلاقي
                         ضوعةً منْ زهورِهِ و الورودِ
يحنثُ الوعدَ حينَ أُبْعدُ عنْهُ
                        يا لَشوقي  لنكثِهِ  منْ  جديدِ
ما افترقْنا إلّا لنعقدَ صلحًا
                        مثلَ نهرٍ مياهُهُ في السّدودِ
هذهِ بلدتي و قدْ خبّرتْني
                        أنَّ  ظلمَ  الحياةِ  ظلمُ العبيدِ
قتلتْ في حروبِها أمنياتي 
                       مثلَ  شيخٍ  يبيحُ  قتلَ المريدِ
صحتُ مهلاً تلطّفي باجتثاثي
                        لست ُ نخلاً  مهدّداً  بالجرودِ
لمْ تهادنْ بصرختي أو بكائي
                         صمّتِ الأُذنَ ،آذنت بالرعودِ
لمْ تفدْني قصائدٌ في بلادي
                         أيُّ شعرٍ يعيد روحَ الشّهيدِ
أيُّ قولٍ يعيدُ صبحَ بلادي
                       و صباحُ الحروبِ ليلُ الشّريدِ
و جنوني كشاعر الحرب يهذي 
                          هاتفاً  هازئًا  بكل ّالحشودِ
قف ْ قليلاً يا أيُّها المتنبي
                        و تزوّدْ بجرعة ٍ منْ قصيدي.
 
عبدالرزاق الأشقر. سوريا.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=76226
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15