• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إن فيك شبها من عيسى بن مريم .
                          • الكاتب : فلاح السعدي .

إن فيك شبها من عيسى بن مريم

قوله تعالى: (ولما ضُرٍب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون):
كل آية من كتاب الله تحمل الحكمة والعلم والعطاء ولعل الكثير من الايات القرانية نزلت فكان لها أثر في التاريخ وفي نفوس العالم ومن هذه الآيات هذه الآية المباركة التي نزلت في علي عليه السلام والتي أوضحت موقف المشركين والمنافقين من علي عليه السلام وفيها حدث أمر هام الا وهو نزول الحجر الحارق على مبغض علي بن أبي طالب (عليه السلام) بآية ( سأل سائل بعذاب واقع) ويمكن من خلال هذه الاية المباركة  أن نخرج بعدة بحوث تتعلق بها أو تحمل في طياتها المباركة لكن لما طلب في فترة وجيزة تم الاشارة الى العناوين التي ممكن ان نخرج بها من الاية المباركة مع ايضاح موجز للآية وما تدور حوله من الاهم في الطرح سائلين المولى القدير أن يتجاوز عن تقصيرنا وان ينفع بما كتب الاخرين ممن يتتبعون هكذا محطات من القرآن الكريم.
الآية تتعلق بمواضيع تحمل في طياتها معانٍ مختلفة منها:
1. حب علي بن أبي طالب (عليه السلام).
2. الحسد.
3. الرضا والتسليم لأمر الله تعالى.
4. طاعة الرسول ( صلى الله وعليه وآله).
5. الشبه بين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونبي الله عيسى بن مريم (سلام الله عليهما).
6. التمسك بالإسلام.
7. الجدل لا يعطي الحق ولا يتوصل به إليه.

وهي الآية (57) من سورة الزخرف رقمها (43) من كتاب الله العزيز, وهي من الآيات التي نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ما هو المراد من الآية الكريمة:

      قيل: المراد بذلك لما ضرب الله المسيح مثلا بآدم في قوله ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) اعترض على النبي (صلى الله عليه واله) عن ذلك قوم من كفار قريش، فانزل الله تعالى هذه الآية.
ووجه الاحتجاج في شبه المسيح بآدم أن الذي قدر أن ينشئ آدم من غير ذكر قادر على إنشاء المسيح من غير ذكر، فلا وجه لاستنكاره من هذا الوجه.
وقيل: إنه لما ذكر المسيح بالبراءة من الفاحشة وانه كآدم في الخاصة، قالوا: هذا يقتضي أن نعبده كما عبده النصارى.
وروي أنه لما نزل قوله تعالى: ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) [الأنبياء : 98) قال عبد الله بن الزبعرى: هذا خاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ؟
فقال (صلى الله عليه وسلم): بل لجميع الأمم.
فقال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي وتثني عليه خيرا وعلى أمه، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما واليهود يعبدون عزيرا، والملائكة يعبدون، فإذا كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم.
فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وفرح القوم وضحكوا وضجوا، فأنزل الله تعالى: ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) (الأنبياء: 101) ونزلت هذه الآية أيضا (ولما ضُرٍب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون).

معنى كلمة (يصُـِدون):

     وقوله \" يصدون \" بكسر الصاد وضمها لغتان, وقد قرئ بهما مثل يشِد ويشُد وينِم وينُم من النميمة.
وقيل: معنى يصِدون - بكسر الصاد - يضجون أي يضجون سرورا منهم بأنهم عبدوا الاوثان كما عبد النصارى المسيح ومن ضمها- يصدون- أراد يعرضون.

أقوال الكفار والمنافقين في الآية:

     قال الكفار في ذلك عدة أقوال وكذا قال المنافقون:   
* فأما ما قاله الكفار فقد حكى عن الكفار انهم قالوا آلهتنا خير أم هو؟ ! قال السدي: يعنون أم المسيح.
* وكذا فإن الكفارقالوا كما ذكر قتادة: أنهم يعنون آلهتنا خير أم محمد (صلى الله عليه واله)..؟
* وقيل: معنى سؤالهم آلهتنا خير ام هو؟ انهم ألزموا مالا يلزم على ظن منهم وتوهم، كأنهم قالوا: ومثلنا في ما نعبد مثل المسيح، فأيهما خير أعبادة آلهتنا أم عبادة المسيح، على انه إن قال عبادة المسيح اقر بعبادة غير الله، وكذلك إن قال عبادة الاوثان.
وإن قال ليس في عبادة المسيح خير، قصر به عن المنزلة التي ليست لأحد من سائر العباد.
وجوابهم عن ذلك إن اختصاص المسيح بضرب من التشريف والإنعام عليه لا يوجب العبادة له كما لا يوجب ذلك انه قد أنعم على غيره النعمة.
ووجه اتصال سؤالهم بما قبله انه معارضة لإلهية الأوثان بإلهية المسيح كمعارضة إنشاء المسيح عن غير ذكر بإنشاء آدم عليه السلام من غير ذكر.
ثم أن الله جل وعلا قال لنبيه (صلى الله عليه واله) ما ضربوه يعني المسيح مثلا ( إلا جدلا ) أي خصومة لك ودفعا لك عن الحق، لان المجادلة لا تكون إلا وأحد المجادلّين مبطلا. والمناظرة قد تكون بين المحقين، لانه قد يعارض ليظهر له الحق.

* قول المنفقون يكمن هنا في هذا البيان الطريف حيث أننا نقرأ في روايات عديدة وردت عن طريق الشيعة والسنة، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي(عليه السلام): ( إن فيك مثلاً من عيسى، أحبّه قوم فهلكوا فيه، وأبغضه قوم فهلكوا فيه )
فقال المنافقون: أما رضي له مثلاً إلاّ عيسى، فنزل قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون). وهذا ما في متن رواية أوردها الحافظ أبو بكر بن مردويه ـ من علماء أهل السنة المعروفين ـ في كتاب المناقب. طبقاً لنقل كشف الغمة ص 95.

المثل في الآية الكريمة:

     الآية الكريمة احتوت على مثل في غاية الدقة والعظمة والبيان مثلا عن نبي الله تعالى (عيسى) عليه السلام, وما الشبه بين عيسى ( عليه السلام) وعلي بن أبي طالب (سلام الله عليه).
هذا هو السؤال الذي اختلف المفسّرون في جوابه على أقوال، إلاّ أنّ الدقّة في الآيات التالية توضح أنّ المثل كان من جانب المشركين، وضرب فيما يتعلق بالأصنام، لأنّا نقرأ في ما بعدها من الآيات: (ما ضربوه إلاّ جدلاً).
بملاحظة هذه الحقيقة، وما جاء في سبب النّزول، يتّضح أن المراد من المثل هو ما قاله المشركون استهزاء لدى سماعهم الآية الكريمة: (إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم)، وكان ما قالوه هو أن عيسى بن مريم قد كان معبوداً، فينبغي أن يكون في جهنم بحكم هذه الآية، وأي شيء أفضل من أن نكون نحن وأصنامنا مع عيسى...؟! قالوا ذلك وضحكوا واستهزؤوا وسخروا...!
ثمّ استمرّوا: (وقالوا أآلهتنا خير أم هو)؟
فإذا كان من أصحاب الجحيم، فإنّ آلهتنا ليست بأفضل منه ولا أسمى.
ولكن، اعلم (يا محمد)أنّ هؤلاء يعلمون الحقيقة، و(ماضربوه لك إلاّ جدلاً بل هم قوم خصمون).
إنّ هؤلاء يعلمون جيداً أنّ الآلهة الذين يردون جهنم هم الذين كانوا راضين بعبادة عابديهم، كفرعون الذي كان يدعوهم إلى عبادته، لا كالمسيح(عليه السلام) الذي كان ولا يزال رافضاً لعملهم هذا، ومتبرءاً منه.
بل: (إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) فقد كانت ولادته من غير أب آية من آيات الله، وتكلمه في المهد آية أُخرى، وكانت كل معجزة من معجزاته علامة بينة على عظمة الله سبحانه، وعلى مقام النبوّة.
لقد كان عيسى مقِراً طوال حياته بالعبودية لله، ودعا الجميع إلى عبوديته سبحانه، ولما كان موجوداً في أُمته لم يسمح لأحد بالإِنحراف عن مسير التوحيد، ولكن المسيحيين أوجدوا خرافة ألوهية المسيح، أو التثليث، بعده.

سبب نزول الآية:

     ورد في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي بصير قال : بينا رسول الله صلى الله عليه واله ذات يوم جالسا إذ اقبل علي (عليه السلام), فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): ( إن فيك شبها من عيسى بن مريم, لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلا اخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة)
قال: فغضب الإعرابيان، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه واله) هذه الآية: ( ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ...)
قال : فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال: ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا ) إن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل ( فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )  فانزل الله هذه الآية: ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) ثم قال له: ياعمرو أما تبت وأما رحلت ؟
فقال: يا محمد بل تجعل لساير قريش شيئا مما في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم ؟
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) ليس ذلك إلي، ذلك إلى الله تبارك وتعالى.
فقال: يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة ولكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضّت هامته.
ثم أتى الوحي إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: ( سأل سائل بعذاب واقع )...
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به قال الله عزوجل: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد).
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب وقال النبي (صلى الله عليه واله): (يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى) فدخل على (عليه السلام) فضحكوا من هذا القول، فنزل قول الله: ( ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون ) الآيات...
وروي عن النبي صلى الله عليه واله انه قال يوما لعلي عليه السلام (لولا أني اخاف ان يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولا لا تمر بملاء إلا اخذوا التراب من تحت قدميك) انكر ذلك جماعة من المنافقين، وقالوا: لم يرض ان يضرب له مثلا إلا بالمسيح، فانزل الله الآية.

موقف أبو ذر الغفاري من الآية:

   عن الجعفي قال: حدثني أحمد بن سليمان الفرقساني, قال لنا ابن المبارك الصوري, لم قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر, ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟
ألم يكن النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قال: بلى.
قال: فما القصة يا أبا عبدالله في ذلك...؟
قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) في نفر من قريش إذ قال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يشبه عيسى بن مريم.
فاستشرفت قريش للموضع فلم يطلع أحد.
وقام النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض حاجته إذ طلع من ذلك الفج علي بن أبي طالب (عليه السلام)
فلما رأوه قالوا: الارتداد وعبادة الأوثان أيسر علينا مما يشبّه ابن عمه بنبي.
فقال أبوذر: يا رسول الله إنهم قالوا: كذا وكذا.
فقالوا بأجمعهم: كذب، وحلفوا على ذلك، فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أبي ذر.
فما برح حتى نزل عليه الوحي: (ولما ضُرِب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) وقالوا: ( آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون، إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل)
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر).
فهذا الحديث المشهور عن أبي ذكر هنا عبرته ومحطه.
والحمد لله رب العالمين





خادمكم: فلاح السعدي
7/ شعبان المبارك/ 1432هـ
الموافق 9/ 7/ 2011م
F_m1333@yahoo.com

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=7603
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 07 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13