لا يخفى على احد مايمر به العراق من ازمات سياسية وامنية واقتصادية حادة خانقة ، وما تكاد تخفت احداها ، او تخف وطئتها ، حتى تشتد الاخرى ، لتأخذ مكانها ، وقد تتصاعد جميعها في آن واحد ، كما يحصل الان ، وهو امر طبيعي جدا للترابط الوثيق بين الامن والاقتصاد والسياسة ، فتؤثر احداهما بالاخرى.
ولاني لست مختصا بالامن ولا الاقتصاد ، فساتحدث عن الثالثة ، لانها كذلك تبدو ضاغطة اكثر هذه الايام من غيرها.
الحراك السياسي المحموم حاليا ، والذي يظهر به السيد مقتدى الصدر ، كما لو انه قطب الرحى ، الذي تتمحور حوله الاحداث ، ياتي بتصوري من عاملين رئيسين..
اولا: الفراغ الذي خلفته المرجعية الدينية ، جراء انسحابها \"شبه\" الكامل من الحياة السياسية ، مما اتاح للصدر فرصة سانحة لملئ هذا الفراغ بلا منافس ، وبقاعدة شعبية معبئة ، ومنصاعة بلا نقاش ، ومسنودة بقوة السلاح!
ثانيا: الضعف الفظيع الذي تتسم به حكومة السيد العبادي ، وهو امر واضح جلي ، وقد شهد به اغلب المختصين والمتابعين ، وهذا الضعف بدوره ياتي بسبب طبيعة شخصية العبادي اولا! ، والملابسات التي رافقت تشكيل حكومته ثانيا ، فمعلوم ان الدكتور العبادي لم يكن خيارا قائما حتى الايام الاخيرة ....، غير انه اختير لعدم وجود بديل قوي ينافس السيد نوري المالكي ، المرشح الاقوى آن ذاك ، وصاحب الكتلة الاكبر في البرلمان ، فكان بمثابة الحجر الذي اصاب هدفين!!
ذلك ادى الى تصعيد غير مسبوق في نبرة خطاب الصدر وحدته ، وارتفاع سقف مطالبه ، من ساحة التحرير ، الى اسوار الخضراء ، الى التهديد باجتياحها الى المطالبة بالتغيير \"شلع قلع\" كما عبر هو ، في اشارة لتغيير العبادي نفسه وقد يكون ابعد من ذلك!
فماذا لو نفذ الصدر تهديداته فعلا ، واسقط الحكومة بالقوة؟ وما هو موقف الاطراف الاخرى في \"التحالف الوطني\"؟ يبدو ان هذا التحالف مازال يتخبط ولا يعرف مايصنع ، وما اجتماع كربلاء الا تأكيدا لذلك!
وما هو موقف المرجعيات الدينية وفصائل الحشد الشعبي واذرعها السياسية ؟
وماذا عن صمت المالكي الغريب ! وهو غريم الصدر التقليدي وخصمه الاقوى والاكثر جرأة في مواجهته؟
والتحالفات السياسية الاخرى ، هل ستتنازل عن مكتسباتها الحاصلة بفضل المحاصصة ؟
وهل ستبقى القوى الخارجية تتفرج مكتوفة الايدي؟
ثم كيف سيكون الحال وما زال داعش في المنطقة الغربية ، وفوضى السلاح والتنظيمات المتخفية المتوثبة في الجنوب ، كالحسني واليماني وغيرهم؟
هذه الاسئلة وعشرات غيرها تحتاج لاجابات واضحة مقنعة ، والا فطريقنا مظلم وعر ، ونسير نحو المجهول. |