لم يشهد العراق على مر تاريخه القديم والحديث من سرقة ونهب للمال العام ولكل خيراته وثرواته كالتي شهدها من بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ،من قبل حفنة من الأحزاب السياسية اللاوطنية (سنية وشيعية وكردية) العميلة لأمريكا وأيران والسعودية وتركيا وأسرائيل وقطر، حيث أستطاعت أمريكا أن تدمر العراق عن طريق قادة هذه الأحزاب السياسية الأسلامية وغير الأسلامية، حتى اوصلته الى حافة الغرق من أحتمالات انهيار سد الموصل!.
وبقدر ما شهد ذلك كله فهو يشهد ومنذ قرابة العام أنتفاضة وثورة جماهيرية كبيرة تطالب بأصلاحات عامة ومحاسبة الفاسدين وسراق المال العام، والتي بدأت من تنديدات ومطالب بسيطة وتجمعات لا تتعدى المئات في بغداد وفي ساحة التحرير وفي يوم الجمعة فقط! ثم تحولت الى عشرات اللألاف من المتظاهرين وفي كل المحافظات وبشكل يومي مطالبة بأسقاط الحكومة والمجيء بحكومة تكنوقراط، بعيدا عن المحاصصة السياسية والطائفية المقيتة.
وأصبح صدى الأنتفاضة أكبر بعد ان أمتد لهيبها الى سوح الجامعات والكليات، والذي يعني دخول الطبقة المثقفة والواعية على خط المواجهة، وهذا هو التحول الخطير في سير الأنتفاضة الجماهيرية وتأثيرها!.
وبقدر ما أسجل عتبي على كل هذه الجموع الثائرة المنتفضة لأنها تأخرت كثيرا عن موعد الثورة!، ولكن بنفس الوقت ألتمس لها العذرحيث أستطاعت الأحزاب الحاكمة من (شيعة وسنة وكرد) أن تسرق أصواتهم وتسكتهم طيلة (13) سنة الماضية، عن طريق بث الفرقة بينهم وتخديرهم بالدين والطائفية والقومية والعشائرية.
الا أن عتبي الكبير أسجله على المرجعية في النجف الأشرف!؟ بأعتبارها صمام الأمان للعراق ولكونها تشكل المفصل المهم والرقم الصعب في عراق ما بعد الأحتلال، وكما أنها شكلت سندا مهما للمتظاهرين وكانت نقطة قوتهم، وأسئلها أين كانت من كل الذي جرى بالعراق طيلة 13 عام؟ ألم تكن في قلب الحدث السياسي من بعد سقوط النظام؟ وهل كانت هناك خطوة تستطيع أن تقدم عليها الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق من بعد السقوط ، دون علمها أو موافقتها أو الأستئناس برأيها؟ من كتابة الدستور الى الأنتخابات والى أية أجراءأت أخرى؟ ألم تكن المرجعية تعرف وهي الواعية لكل شيء بأن الكثير من فقرات وبنود الدستورهي أشبه بقنابل موقوتة وأغلال تقيد العملية السياسية وأن هذا الدستور سيكون كارثة على العراق؟ ألم تكن المرجعية تعرف بأن الأنتخابات شابها الكثير من التزويرمن أجل أن تفوزالأحزاب الشيعية بالأنتخابات في كل دورة؟ وخاصة في دورة (المالكي) الثانية؟
ألم تكن المرجعية تعرف بأن العملية السياسية تقوم على أساس المحاصصة السياسية والطائفية؟؟؟ منذ حكومة علاوي والجعفري ؟ وما الأنتخابات فهي تأتي من باب ذر الرماد في العيون؟! لماذا أذا لم تأخذ موقفا حازما وجادا وقويا ورافضا لكل أقطاب العملية السياسية قبل سنة وسنتين وثلاثة وأربعة وخمسة؟ وهل كان العراق قبل هذه الفترة ينعم بالرخاء والأمن والأمان و من الدول الأكثر نزاهة والعملية السياسية فيه تسير بشكل ديمقراطي حقيقي وصحيح؟!! وفجأة أنقلبت أحواله نحو السوء في السنة الماضية؟ حتى تغلق المرجعية أبوابها أمام الجميع، وتعلن توقفها عن الخطاب الديني يوم الجمعة؟
وأذا كانت بغداد وبقية المحافظات بعيدة عنها!! فهل المرجعية ومقرها في النجف لم تكن تعرف وحسب تقارير هيئة النزاهة بأن النجف واحدة من أكثر المحافظات فسادا بدل أن تكون (المدينة الفاضلة) بالأفتراض المنطقي والصحيح!. وفيها اكبر عصابات ومافيات تزوير سندات العقار وهذه العصابات لم تكن تفعل وتعمل ذلك دون مساندة احزاب وشخصيات نافذة في النجف وهذا ما عرضته الكثير من الفضائيات؟!.
فأذا كانت المرجعية لا تدري فتلك هي الكارثة! وأن كانت تدري وصبرت على كل ذلك على أمل الأصلاح فتلك الطامة الكبرى! التي أوصلتنا الى هذا الوضع الخطير الذي لا نحسد عليه.
أما بخصوص السيد مقتدى الصدر صاحب التيار الشعبي الأكبر بين الأحزاب والتيارات السياسية في العراق والذي أعطى المظاهرات شحنة كبيرة من القوة بقيادته لها ونزوله مع المتظاهرين، فالرجل أعترف امام العالم أجمع وأعلن براءته من كل من يمثل تياره في الحكومة، موقف السيد مقتدى هذا زاد من شعبيته اكثر وأصبح هوبمثابة طوق النجاة للمتظاهرين وأملهم بالتغيير، لما له ولتياره من حضور فاعل على الساحة العراقية، ولو أني أسجل عتبي الشديد عليه أيضا لتأخره كثيرا عن هذا الموقف الثوري وسكوته عن وزرائه الفاسدين الذين أساءوا كثيرا للتيار ولشخص السيد مقتدى قبل أن يسيئوا لأنفسهم وللعراق من أمثال (بهاء الأعرجي ومحمد الدراجي وبقية وزرائه ونوابه بالبرلمان!)، ولكن سنلتمس له العذر أيضا ونقول( أن تأتي متأخرا خيرا أن لا تأتي)!.
ولأني أعتبر مقولة( ليس كل ما يعرف ويتمنى يقال)!! مقولة فيها الكثير من الجبن والخنوع، ولأننا ننعم بالديمقراطية رغم أساءة الكثيرين لها ولفهمها الحقيقي، فأخيرا أقول كنت أتمنى أن تقود واحدة من الأحزاب والشخصيات السياسية المدنية والليبرالية الحرة هذه المظاهرات وهي التي تتصدر مشهد الثورة و المواجهة مع الحكومة، لا غيرها!!، وهذه آخر الفرص التي أضاعتها الجماهير المنتفضة لأقامة نظام مدني ديمقراطي حقيقي حر في العراق بعيدا عن الأحزاب والتيارات الأسلامية التي أساءة كثيرا الى سمعتها قبل أن تسيء للعراق؟! ويبدوا أن هذا هو قدرالعراق وشعبه؟!.