• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في انتظار ثورة العقل .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

في انتظار ثورة العقل

  ولا ندري من كان وراء بدعة مناهضة المنقول للمعقول حتى أنهّم جعلوا هذا مقابل ذاك كما لو أنّ كاشفية النقل وكاشفية العقل متميّزتان مع أنّ غاية الكشف واحدة وتجلّي الحقيقة هي هي نفسها سواء أتحققت بالنقل أم العقل..ولكن لنقل أنّ بدء هذه البدعة وليس أنكر منها بدعة هو حينما تآزر النقل والعقل وتماهيا وتساندا حتى باتت المصالحة قائمة والشراكة بالغة وهم ما أثار خصوم العقل ونابذوه العداء واختفوا خلف النقل..خصوم العقل عبر التاريخ هم خصوم الدراية المكتفون بالرواية..وقد ظهر أنّهم أساؤوا للرواية بمجرد أن جعلوها مقابل المعقول من حيث أنّ الرواية نفسها لا تستغني عن العقل..فلقد كانت كاشفية النقل في حاجة ماسة للعقل حيث به تتقوم كاشفيتها نفسها.. فالرواية من دون دراية والمنقول من دون معقول من شأنها أن يجعل مهمّة الكشف غاية في الإلتباس والتعقيد..فلقد حثّ النقل على العقل لألّى يتمّ التفريق بينهما إلاذ إذا حكم العقل هو نفسه بأنّ النقل هنا كاشف أكثر باعتباره معطى يجب التعامل معه والاعتراف به..فيظهر بأنّ كاشفية النقل هي نفسها تعود لسلطان كاشفية العقل مما يجعل الخصومة بين النقل والعقل هي خصومة وهمية اختلقها أهل الجهل بالمعقول والمنقول معا..كان العقل ولا زال مهما بدت أخطاؤه التي يعرف كيف يصححها هو بنفسه نتيجة الممارسة الخاصة للعقل ضمن شروط تستدرجه لأحكام خارج حكم العقل نفسه، أجل كان العقل ولا يزال رسولا باطنا سيبقى متكفّلا بعصور الفتراة من الرسل وما بعد النبوات باعتباره ضامن الرشد..وأيّا كان أمر هذا العالم الذي يهرب من معقوله إلى لامعقوله فإنّ الحقيقة لا زالت تمارس غوايتها أمام العقل العميق..الانقلاب الأعظم للعقلانية ضدّ لامعقولها قادمة وتعد البشرية بالكثير من التحولات..لقد ساهمت الرأسمالية المتوحّشة في هذا الإحساس بعدم جدوى العقل وفسحت مجالا للحماقة وكل أشكال الغواية التي تساهم في جنون الاستهلاك وسفاهة الهدر البيئي وهما مقوّم أساسي في استمرار ماكينة الاستغلال والقهر والاستعباد تحت طائلة إعلام يهدر مقومات العقل يوما بعد يوم وبشكل دراماتيكي.. إن الرأسمالية المتوحشة غير معنية بخطاب العقلانية ولا حتى بخطاب الحداثة لأنها ديكتاتورية بطبيعتها وتأبى التفاوض العقلاني حول الحقوق والواجبات..سقوط الرأسمالية المتوحشة سيكون فرصة تاريخية لبعث العقلانية من جديد..وهي العقلانية الكونية بالمعايير المنطقية للكونية وليس الكونية من منظور الاقتصاد السياسي للرأسمالية المتوحشة التي تعني كسر الحدود أمام الاستغلال المركزي للشركات العابرة للقارات..فمثل سائر القضايا والأشياء في عالمنا التي تخضع للتزييف ، فإنّ نصيب العقلانية من التزييف كان الأكثر مجهولية لدى النّاس..فالعقلانية لم تعد ذلك الشيء الذي يستنزف تفكيرنا بل هي ذلك الشيء الذي تقدمه وسائل الإعلان ويتهافت حوله الجمهور..إن العقلانية أصبحت مشكلة في زمن الميديولوجيا والراسميل المشرف على نشاطها..يدرك العقل العميق كلّ هذه الضحالة التي تمرّ باسم العقلانية..فشعار "دعه يمرّ" هو شعار أثير للرأسمالية..وها هي تسمح بتمرير أيشغ أشكال التوحّش والجهل باسم العقل والعقلانية، لأنّ نمط الإنتاج يقتضي غياب المعقولية عن الاستهلاك..ذلك لأنّنا نعيش في عصر اقتصاد الاستهلاك..ولا يستطيع الاستهلاك وثقافته أن ينهض على المعقول..إنّ عصر الاستهلاك إما أن يكون لا عقلانيا أو لا يكون..ولكنه في حاجة إلى أن يمالئ الحداثة والعقلانية بما تطلبه فلسفاتها التي لم تبرح الذاكرة..إنّ الضربات الموجعة التي تفرض اليوم على الاقتصاد السياسي أن يتراجع عن جنون الاستهلاك من شأنها إيقاظ العقل..مما يؤكّد أنّ انبعاث العقل رهين بنهاية استنزاف الطبيعة والانسان على أسس من الاقتصاد السياسي المكرس للاعقلانية..إنّ التحولات التي يشهدها الوضع الاقتصادي العالمي والذي من شأنه التأثير على أنماط الإنتاج والاستهلاك معا من شأنه أن ينعكس بدوره على الموقف الثقافي والروحي للإنسان..
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74259
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14