من المعروف أنّ الخيول هي إحدى الحيوانات التي يجري تصنيفها تحت اسم " Pray Animals " أي أنّها تمثّل الفريسة في السلسلة الغذائيّة . وبما أنّها تحمل غريزة الهرب لذا يمكن معرفة سبب نومها واقفة ، فقد اعتادت النوم على سيقانها بكلّ راحة كي تأخذ وضعيّة التأهّب للهرب والخلاص . ونجد أحياناً بعض الخيول تفترش الأرض لتنام ، وهذا مايحصل في حالةٍ واحدة ، حينما يبقى أحد الأحصنة مستيقظاً للتحذير من سطوة المفترس الغدّار .
إنّ غريزة الحيطة والحذر والخوف حسّيّةٌ عقليّة ، فالحيوان المسلوب العقل كلّيّاً أو نسبيّاً على بعض الأقوال نراه يذبّ عن وجوده وحياته وكيانه بما يستطيع عليه من أساليب وأدوات ووسائل حتى وإن كلّفه الأمر النوم وقوفاً .
مفهوم الأولويّة يفرض على الإنسان اتّخاذ أرقى مراتب الحيطة والحذر والخوف من أجل الحفاظ على وجوده وحياته وكيانه حتى وإن كلّفه ذلك غاية التضحيات وأشدّ الصعاب وأشقّ المعاناة والآلام .
ماأبسق أن يبقى رجلٌ - ولو واحداً - مستيقظاً على الدوام يحرس ويحافظ بل يبذل المهجة إن تطلّب الظرف و الحال .
إنّ الخيول تظلّ ممتنّةً أبداً لذاك الحصان الذي سهر ليحميها من بطش الوحوش الكاسرة والمخلوقات الفتّاكة ، ويوفّر لها مقدّمات الأمن والأمان والعيش براحةٍ واستقرار .
نحن أيضاً بني البشر تحمينا رجال الأمن والاقتصاد و الفنّ و الاجتماع الأدب والسياسة والعلم ... كي نبقى في دائرة الحياة والبقاء والحركة والاستمرار .
والأهمّ من كلّ ذلك أنّ الجماعات والمنظومات والمذاهب والأديان لابدّ من وجود ذاك الحامي والحارس فيها ، الذي يحفظها ويذود عنها إزاء شتّى الغزوات الشرسة والهجمات الوحشيّة التي تروم الفتك بها والقضاء عليها .
إنّ الله تبارك وتعالى حيث أتمّ الحجّة علينا بنعمتين إحديهما باطنة واُخرى ظاهرة ،إنّما أراد الحفاظ علينا من تلك الغزوات والهجمات ..
نعم ،عقلٌ يفكّر ويتأمّل ويتدبّر بما يتوفّر من أدوات ومناهج ومعاضدات ..
رسلٌ وأنبياءٌ عظام ، أوصياءٌ كرام ، أئّمّةٌ معصومون هم خير الأنام ، مراجعُ دينٍ ينوبون عن الغائب المولى الإمام .
ماأجمل وأدقّ هذا النظم وهذا التسلسل التراتبي الذي يمنح الإنسانيّة أملاً مشرقاً وفاعليّةً مفعمةً بالغضاضة والطموح السائر صوب نيل المقام المحمود والمنزلة الرفيعة ، حيث الإعداد والتهيّؤ لحياةٍ أبديّةٍ سرمديّةٍ بنعيمٍ مقيمٍ برحمةٍ ورضوانٍ من الربّ الغفور الرحيم .
علينا إذن - ونحن في ظلّ غيبة مولانا الإمام عليه السلام - أن نقف بالفعل الناطق ميدانيّاً لابظواهر الصوت الصامت فعليّاً ، وقفةَ شكرٍ و إجلالٍ لمراجع ديننا العظام وعلمائنا الكرام ونخبنا وصالح مؤمنينا الذين سعوا ولازالوا يسعون بنا إلى مراتع الهداية والأمان ومرابع الحبّ والخير والسلام ، بعيداً كلّ البعد عن مهاوي الرذيلة والفساد وثقافات العنف والترويع والشتات وشرّ اللئام . |