القدس عروس عروبتكم(مظفّر النواب)..هي اليوم مستباحة إلى آخر رمق من فحولة العرب..لم يكن مظفر بدعا في هذا التصوير..اليوم لم تأخذنا القدس إلى "زهرة المدائن" بل إلى " قارئة الفنجان" ..كلاهما قصيدتان مغنتان..لشاعر خبر صورة المرأة بلا حدود..في قارئة الفنجان كان نزار قبّاني متألّقا..ليس ذلك من حيث التشبيه والتصوير..بل من حيث رسم الواقع بتفاصيله أيضا..وتسألني ما علاقة قارئة الفنجان بفلسطين؟ هذا تساؤل مشروع..وأعتقد أن البعض لا زال حائرا هل المقصود المرأة هنا أم مجرد رمز للعبور إلى عروس عروبتكم كما قال مظفّر؟ هذا سؤال لا بدّ منه قبل افتحاص المحتوى..وحيث لا يوجد ما يوثّق هذه الحقيقة، أي أنّ المقصود هنا فلسطين وليس المرأة، فسأطلعكم على حقيقة تاريخية حكاها لنا ديبلوماسي صديق تغمده الله برحمته..عاصر تلك المرحلة حين كان يتردد على إحدى مقاهي بيروت، حيث كان يتواجد فلسطينيون بينما البيئة الحاضنة يومها فدائية بامتياز..لا حديث سوى عن فلسطين والحلم بالعودة..يحكي لنا شاهد الواقعة بأنّ قارئة فنجان كانت تتردد على تلك المقهى وتقرأ للفدائيين طالعهم..كان نزار قباني قد رأى ذلك المشهد..ومن هناك نسجت قصيدة قارئة الفنجان..تقول قارئة الفنجان للفدائي لا تحزن..حبك لفلسطين سيكون هو الوطن البديل الذي سيكتب لك..تقول للفدائي إنّك إن متّ على حبّ فلسطين فأنت شهيد..كمن مات على دين المحبوب..إنّ فنجانك أيها الفدائي الفلسطيني دنيا مرعبة..وستكون حياتك أسفار وحروب..ستحب فلسطين كثيرا كثيرا..وستموت كثيرا كثيرا..وستعشق كل نساء الأرض وترجع كالملك المغلوب..مدخلها مرسوم كالعنقود، أي فسطين..غير أن سماءها ممطرة وطريقك مسدود..مسدود..فحبيبة قلبك نائمة في قصر مرصود..القصر كبير تحرسه كلاب وجنود..وأميرة قلبك يا ولدي...فلسطين..نائمة..من يدخل حجرتها مفقود..من يطلب يد فلسطين..من يدنو من سور حديقتها مفقود..من حاول فكّ ضفائرها يا ولدي مفقود..مفقود..قارئة الفنجان التي بصرت طول عمرها لم تجد فنجانا مثل فنجان الفدائي الفلسطيني..ولا أحزانا تشبه أحزانه..فقدرك أيها الفدائي أن تعيش على حب فلسطين..تحب بغير قلوع..تحب ملايين المرات..وترجع كالملك المخلوع..
قارئة الفنجان..هي أصدق من السادات ومن أسلو ومن حراس معبد الاحتلال..جرّب أن تقرأ قارئة الفنجان بمضمونها الفلسطيني لتكتشف شيئا أعمق من زهرة المدائن..شيء عميق..فلسطين العميقة..تلك التي وجدت لها وطنا في قلوبنا..فلسطين التي كتب علينا أن نحبها دون أن نحاول فك ضفائرها.. |