لعل اخطر الأسلحة هي (الأدمغة الفارغة) ، فهي ارضٌ خصبة لزرع أي بذور فيها ، ولذلك يخلق الله الإنسان وعقله فارغ تماما إلا من آلية ادامة عمل الأعضاء اما الثقافة الدين العلم المعرفة فقد ترك الله هذه المساحة لأبوي الطفل ومحيطه يضع فيهما ما هو مسؤول عنه ويتحمل نتائجه في الدنيا والآخرة.
الغرب وبعض الزعماء يُدركون هذه الحقيقة ولذلك يُركزون على الإعلام والتعليم فهما أنجح وسيلة لخلق العقول الآلية التي تُطيع من دون نظر أو سمع فقط (اضغط على الزر).
ما حدث في مدينة الرقة السورية يعكس هذا الحالة بأبشع صورها ولذلك وانطلاقا من المسؤولية الشرعية فأنا ومن خلال هذا الحرف المتواضع أحث الآباء والامهات على الاهتمام بالجانب الفكري للطفل وتنشأته نشأة تُجنبه بعض أنواع الانحرافات الفكرية والتصرفات السلوكية .
أمٌ ثكلى بزوجها أربعينية في العمر لا تملك من هذه الدنيا سوى ولد واحد يبلغ من العمر عشرين ريبيعا رمى بنفسه في أحضان داعش ، الأم كانت على وعي بما يجري وحاولت ان تنقذ ولدها من مصير أسود ينتظره على يد هذه العصابات الإجرامية فقالت له بالحرف الواحد انقله نصا من المصدر : ((حرضته على ترك تنظيم داعش والهروب سوية خارج الرقة وحذرته من ان التحالف الدولي سيقتل جميع عناصر التنظيم بعد استنفاذ مهامه منهم)). ولكن هذا الشاب ذهب إلى الدواعش واخبرهم بأن والدته حرضته على ترك التنظيم ، فما كان من داعش إلا أن يعتقلها بتهمة (الردة) . (1) ثم ساقها إلى ساحة المدينة العامة وهناك وسط الجماهير التي حشدتها داعش بالقوة قام الشاب (الابن) بتنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص على والدته أمام دهشة وصدمة الناس الذين لم يعهدوا في الأعراف ولا حتى عند الحيوانات ولا في الإسلام امثال هذه الاحكام والتي أوصي دستورها القرآن بمصاحبة حتى الوالدين المشركين بالمعروف الاحسان إليهم كما يقول تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).(2)
الأم لم تأمر ابنها بالشرك ولا بالردة ولا حتى بالكفر او شتم داعش كل ما طلبته هو انقاذ فلذة كبدها ووحيدها الذي يحمل ذكرى أبيه ، فهل تعتبر داعش نفسها فوق الله وأن الانقلاب عليها يُعتبر ردة بكل المقاييس الداعشية.؟
( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).
توضيحات :
1- نلاحظ أن استخدام تهمة (الردة) لم تكن وليدة هذا العصر ولا هي من افكار داعش بل أن الاتهام بالردة حصل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، عندما حصل انقلاب السقيفة من قبل بعض الصحابة وعلى رأسهم ابو بكر وعمر وبدعم من قريش ويهود الجزيرة ، فما كان من بعض المسلمين إلا التوقف عن بيعة ابي بكر لأنهم بايعوا عليا في بيعة الغدير، وقطعوا عن الانقلابيين (الزكاة والخمس) ، فكانت التهمة التي تم توجيهها لهم بأنهم (ارتدوا) . وقاموا بقتلهم وعلى رأسهم الصحابي الجليل مالك بن نويرة وقبيلته ، ثم قبائل اليمن . فلم يكن هؤلاء مرتدين ابدا بل كانوا على الاسلام يصلون ويصومون وهذا ما نعرفه من قول عمر بن الخطاب الذي قال لخالد بن الوليد : (قتلت امرأ مسلما ونزوت على امرأته والله لأرجمنك باحجارك) وكذلك قول أبو بكر : ( لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه). إذن المسالة مسألة اموال وليست ردة .
2- سورة لقمان آية 15.
الطريف في الخبر أن هذا الخبر نقلته صحيفة الرياض السعودية في عددها اليوم السبت 29 ربيع الأول 1437 هـ - 9 يناير 2016م - العدد 17365, صفحة رقم ( 11 ).
|