• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح304 سورة السجدة الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح304 سورة السجدة الشريفة


بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ{12}
تنقل الآية الكريمة صورة خاصة بالكافرين عما سيكون عليه حالهم بعد الموت (  وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ ) , مطأطأوا الرؤوس عارا وخزيا , يقولون (  رَبَّنَا أَبْصَرْنَا ) , ما وعدتنا , او ما انكرنا من البعث , (  وَسَمِعْنَا ) , منك تصديق الرسل الذين كذبناهم , (  فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ) , ارجعنا الى الدنيا كي نقوم على العمل الصالح , (  إِنَّا مُوقِنُونَ ) , بعد ان شهدنا حقيقة ما وعدتنا ايقنا بها .  

وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{13}
تستمر الآية الكريمة في الخوض في نفس الموضوع (  وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) , بتوفيقها الى سبل الهداية , (  وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ) , ثبت قضائي وسبق وعيدي , وهو (  لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) , يلاحظ ان النص المبارك لم يستثن احد , وان كانوا مؤمنين , وهو مصداقا لقوله جل وعلا { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }مريم71 , أيا كان المؤمنون ومهما كانت درجات ايمانهم لابد وان يكونوا قد اقترفوا واجترحوا شيئا من الذنوب ولو يسيرا , فلابد ولا محالة انهم سيدخلون جهنم لأمرين :  
1-    للتطهير : فهم في تلك الحالة لا يصلحون لدخول الجنة ما لم يتطهروا من درن ما اكتسبوا من الذنوب في الدنيا , بعد التطهير سيكونون مؤهلين لدخولها .
2-    العدل الالهي يقتضي العقاب على كل جرم وان كان صادرا من مؤمن , لكن دخولهم النار لا يكون الا مؤقتا وليسوا مخلدين فيها كما هو حال الكفار .
مع اختلاف في الآراء فيما اذا كانت تلك الذنوب مما قبلت التوبة عنه او لم تقبل , فيرى بعض اصحاب الرأي ان ما قبلت التوبة عنه منها في الدنيا فلا يعذب بها صاحبها , وانما العذاب سيكون على الذنوب التي لم يتداركها صاحبها بالتوبة والاستغفار , والبعض الاخر يرى غير ذلك .      

فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{14}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع (  فَذُوقُوا ) , العذاب , (  بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ  هَذَا ) , نسيتم او اغفلتم ولم تؤمنوا باللقاء المحتوم في هذا اليوم , (  إِنَّا نَسِينَاكُمْ ) , نترككم في العذاب كما تركتم الايمان والتصديق بهذا اليوم , (  وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) , ليس لكم هنا سوى العذاب الخالد بسبب تكذيبكم وركوبكم المعاصي . 

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ{15}
تنتقل الآية الكريمة الى الطرف المقابل (  إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ) , يصدق بها , (  الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا ) , وعظوا بها , (  خَرُّوا سُجَّداً ) , من خشية الله تعالى , (  وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) , نزهوه جل وعلا عما لا يليق به , (  وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) , عن الايمان والطاعة والعبادة . 

تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{16}
تستمر الآية الكريمة في  بيانها لحال واحوال هذا الطرف "الجانب" :
1-    (  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ) : ترتفع وتتنحى جنوبهم عن المضاجع الفرش لصلاة الليل والتهجد فيه .
2-    (  يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ) : دائما يدعون الله تعالى خوفا من غضبه وانتقامه وعذابه , وطمعا في رضاه ورحمته وثوابه .
3-    (  وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) : النفقة الواجبة اضافة الى النفقة المستحبة في وجوه الخير .   

فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{17}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع (  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ) , لا احد يعلم لا هم ولا غيرهم , (  مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) , ما خبئ الله تعالى لهم من الاجر والثواب مما يقر الاعين , (  جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) , اجرا وثوابا لما كانوا قائمين عليه .   
( عن الصادق عليه السلام ما من عمل حسن يعمله العبد الا وله ثواب في القرآن الا صلاة الليل فان الله عز وجل لم يبين ثوابها لعظم خطره عنده فقال جل ذكره تتجافى جنوبهم الى قوله يعملون ) ."تفسير القمي" .   

أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ{18}
تضمنت الآية الكريمة سؤالا مباشرا (  أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً ) , لا تقابل بين الطرفين , (  لَّا يَسْتَوُونَ ) , في الشرف والثواب والمنزلة .
( عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (  أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ) وذلك ان علي بن ابي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن ابي معيط تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة بن ابي معيط "انا والله ابسط منك لسانا واحد منك سنانا وامثل منك حشوا في الكتيبة" فقال علي عليه السلام "اسكت فإنما انت فاسق " فانزل الله ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ  {18} أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19} ) وهو علي بن ابي طالب عليه السلام (  أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19} ) ."تفسير البرهان ج4 للسيد هاشم الحسيني البحراني" .
(  عن الحسن المجتبى عليه السلام في حديث له واما انت يا وليد ابن عقبة فوالله ما الومك ان تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة وقتل اباك صبرا بيده يوم بدر ام كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشر ايات من القرآن وسماك فاسقا وهو قول الله عز وجل افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .     
 
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19}
تضيف الآية الكريمة (  أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , الذين آمنوا وقرنوا ايمانهم بالعمل النافع , (  فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً ) , فيها مقرهم وفيها منازلهم , (  بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) , جزاء وثوابا لما آمنوا وعملوا الاعمال الصالحة . 

وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{20}
تنتقل الآية الكريمة للطرف المقابل (  وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا ) , خرجوا عن الطاعة بالكفر والتكذيب , (  فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ) , لا مأوى لهم غيرها , (  كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) , كما يحاول المعذب في الدنيا الخلاص والهروب مما يتعرض له من العذاب , وقد ينجو , لكنهم في الاخرة لا يمكنهم الهروب ولا ينجو منهم احد وهو كناية عن الخلود فيها وعدم حصولهم على شفاعة من اعتقدوا بشفاعتهم وخذلان الناصر , (  وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ  ) , زيادة في التنكيل تقول لهم ملائكة العذاب (  ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ ) , والسبب (  الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ  ) , الذي كنتم تكذبون به .
(  ان جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا اسفلها زفرت بهم جهنم فإذا بلغوا اعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم ) . "تفسير القمي" . 

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{21}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها (  وَلَنُذِيقَنَّهُمْ ) , الكفار "الفاسقون" , (  مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ) , ننقل في النص المبارك رأيين :
1-    في الدنيا , بالقتل والاسر والقحط والامراض ... الخ .
2-    (  عن الصادق عليه السلام ان العذاب الأدنى عذاب القبر ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .       
(  دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ) , عذاب الاخرة , (  لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) , الى الايمان والطاعة . 

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ{22}
تضيف الآية الكريمة (  وَمَنْ أَظْلَمُ ) , من اكثر ظلما , (  مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ) , انصرف عنها , لم يتدبرها ولم يتفكر فيها , (  إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ) , تهديد ووعيد للكفار والعصاة والمتمردين . 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=71886
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13