للسياسة منطقها الخاص، وبينها وبين المنطق نقطة افتراق، اذ إن المنطق الأرسطي يتعاطى مع اليقنيات،استنادا على مجموعة من المقدمات التي يرتكز عليها،لينتقل من المجهولات الى المعلومات المطلوبة.
اما السياسة فمادتها الحدث،تتعاطى معه،وبقدر المصلحة التي يجلبها ذلك الحدث، تتفاعل السياسة معه،وتبقى العلاقة الجدلية بين هذين الإثنين، السياسة والمصلحة يرتفعان معا ويخبوان معا.
إلا ان السياسة لاتتعرى تماما من اﻷخلاق، ولا تتجرد منها؛ فهناك مجموعة من قواعد اﻷخلاق العامة، تتحكم بالسياسة وتضبط ايقاعاتها، كالعلاقات الدبلوماسية، وبعضها مايتعلق بالمجاملات الدولية،فهي معتمدة بين الدول وإن لم يكن لها الزام قانوني، اضافة الى مجموعة اﻷتكيتات التي يتعامل بها الدبلوماسيون، بدءا برئيس الدولة وإنتهاءا بالسفراء والقناصل، ومن هم بدرجتهم.
الوجه السياسي القبيح في التعاطي مع المصلحة،يختبئ وراء تلك الفعاليات، لتجد معظم الدول تسعى مااستطاعت؛كي يكون خطابها مقنعا للرأي العام، مدعوما بالحجج الدامغة،التي يذعن المتلقي لها بمجرد سماعها،فضلا عن اللغة العالية واﻷدب السياسي الرفيع.
السلوك الدولي يحرص كثيرا على تلك الأعمال،ويحاول جاهدا ان يتناغم مع الواقع، ولايستفز حفيظة الجمهور، كذلك توخي الصدق في ذلك الخطاب من الأمور التي تحرص عليها الدول كثيرا، طبعا المقصود من الصدق هنا، الصدق في الخطاب وليس في الواقع؛ذلك ان الواقع ليس من اﻹمور المتيسر للمواطن الإطلاع عليها.
لكن اليوم، مايحدث هو العكس!، فقد اصبحت اﻹزدواجية عرفا دوليا صارخا، لايخشى المتحكمون من طفوه على الساحة العالمية، والكذب هو الحالة اﻹعتيادية التي تلازم السلوك العام.
اﻷمثلة على ذلك كثيرة جدا؛فأمريكا مثلا، هي من انتجت داعش!، وأتقنت صناعتها!، وهي من تمده بالخيل والرجال،سواءا بطريق مباشر او عن طريق ادواتها في المحيط، وهي من تدعوا الى محاربته وتصفه باﻹرهاب العالمي، فضلا عن نعوت التطرف والوحشية، تركيا ايضا تختط الطريق نفسه، تساهم بدخول آلاف الدواعش وتوصل لهم او عن طريقها،اﻷسلحة المتطورة جدا،فضلا عما تشتريه من النفط المغصوب،وتضهر للاعلام وبكل صلافة، بأنها تدرب العراقيين لمحاربة داعش، السعودية ودويلة قطر ،على المنوال ذاته، تصدر منهم الاف الفتاوى، التي تكفر الدواعش،وبالمقابل تنفق على وجوده المليارات من الدنانير.
هذا هو المنطق المقلوب،الذي اصبح صفة عامة للخطاب والسلوك الدولي، والذي على خطاه يدار العالم اليوم، وأصبحت الفعاليات المشبوه هي مادة التعامل السياسي.
حالة الإنحدار هذه،يمكن ان تصنف الحضارة الغربية، القائمة اليوم؛ بأنهاحضارة اصابتها الشيخوخة،فالحضارات تشيخ ايضا، حالها حال اي كائن اخر،يولد صغير ثم ينمو ثم يبتلي بالشيخوخة.
لذلك فإن امريكا وصديقاتها،ليس لها من جديد،تقدمه للرأي العام!؛ لذلك لجأت الى الﻻمنطق لتمرير اكاذيبها الممزوجة بالمصلحة الفاسدة والغير مشروعة، حضارة تصارع هاجس الإختفاء وتبحث عن وسائل البقاء، وقد تجري الرياح بما لاتشتهي السفن. |