• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح302 سورة لقمان الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح302 سورة لقمان الشريفة


بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{25}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ولا تعنيه "ص واله" حصرا , بل المعني به الطرف المقابل , (  وَلَئِن ) , لام القسم , (  سَأَلْتَهُم ) , مشركي مكة بالخصوص وباقي الكفار بالعموم , (  مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) , عن خالق السموات والارض , (  لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) , ليس لهم جواب غير هذا , لذا اجاب النص المبارك بالنيابة عنهم سلفا , فكل امرء يعرف ذلك بالفطرة , (  قُلِ ) , لهم يا محمد "ص واله" , ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) , على الزامهم الحجة ما يوجب بطلان ما هم عليه , (  بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) , ان ذلك الجواب ملزم لهم , مبطلا لمعتقدهم قاطعا لأعذارهم .  

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{26}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها (  لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , ملكا وخلقا وتدبيرا ... الخ , (  إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) , وهو جل وعلا (  الْغَنِيُّ ) , عن خلقه وعن عبادتهم اياه , (  الْحَمِيدُ ) , المستحق للحمد وان لم يحمد .   

وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{27}
تبين الآية الكريمة (   وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ) , لو بريت كل الاشجار اقلاما , (  وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) , وكل البحور كانت مدادا "حبرا" , وكتبت بها كلمات الله , (  مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ) , كلمات الله تعالى آياته , معرفته , براهينه ... الخ , لتكسرت تلك الاقلام "الشجر" ونفدت مياه البحار , لكن كلماته جل وعلا لا تنفد , (  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) , وهو جل وعلا (  عَزِيزٌ ) , في ملكه , لا يعجزه شيء , (  حَكِيمٌ ) , كل شيء خاضع لحكمته جل وعلا .
( وذلك ان اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح فقال الروح من امر ربّي وما اوتيتم من العلم الا قليلا قالوا نحن خاصة قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذا يا محمد اتزعم انك لم تؤت من العلم الا قليلا وقد اوتيت القرآن واوتينا التوراة وقد قرأت ومن يؤت الحكمة وهي التوراة فقد اوتي خيرا كثيرا فأنزل الله تبارك وتعالى ولو ان ما في الارض الآية يقول علم الله اكثر من ذلك وما اوتيتم كثير فيكم قليل عند الله ) . "تفسير القمي" .      

مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{28}
تضيف الآية الكريمة (  مَّا خَلْقُكُمْ ) , ايها الثقلين "الانس والجن" , (  وَلَا بَعْثُكُمْ ) , يوم القيامة , (  إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) , ان ذلك من اليسر والسهولة عليه جل وعلا كخلق وبعث نفس واحدة , (  إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) , انه جل وعلا (  سَمِيعٌ ) , للأصوات , ما خفي منها وما جهر به , (  بَصِيرٌ ) , لا يغيب عن بصره شيء , ولا يشغله السمع عن البصر او سمع عن سمع او بصر عن بصر .   

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{29}
تضيف الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" والمعني بالخطاب عموم الناس (  أَلَمْ تَرَ ) , تعلم , تلاحظ , (  أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) , يدخل الليل في النهار , يزداد الليل فينقص النهار , (  وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) , ويدخل النهار في الليل , يزداد النهار فينقص الليل , (  وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) , في منافعهما , (  كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) , كلا منهما يجري في مداره , ويختلف المفسرون في (  إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) فمنهم من يرى
1-     ان ذلك يوم القيامة .
2-    ان ذلك يكون في الدنيا قبل يوم القيامة , او كعلامة من علاماتها .
(  وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) , وهو جل وعلا لا يخفى عليه شيء من اعمالكم , عالم بها مطلع على كنهها .   

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{30}
تقرر الآية الكريمة :
1-    (  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ) : (  ذَلِكَ ) اشارة الى المذكور اعلاه من بديع الصنع واكتمال القدرة ... الخ , لتدركوا ان الله تعالى هو الحق الثابت لا مراء ولا جدال ولا شك فيه .
2-    (  وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ ) : كل ما خالف الحق فهو باطل زائل لا اسس له يقوم بها وعليها .
3-    (  وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) : وهو جل وعلا (  الْعَلِيُّ ) , على خلقه بالقهر والقدرة , (  الْكَبِيرُ ) , الجميع خاضع له .   

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{31}
تضيف الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" والمعني بالخطاب عموم الناس (  أَلَمْ تَرَ ) , تعلم , تلاحظ , (  أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ ) , في بديع صنعه جل وعلا وتهيئة الاسباب لمجراها في البحر , (  لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ) , من دلائل قدرته وصنعه , ما غاب عنكم او ما لم تلاحظوه , (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ) , من العبر والمواعظ , (  لِّكُلِّ صَبَّارٍ ) , على الطاعة , فأن الطاعة مما توجب الصبر عليها , وكذلك المعاصي تستوجب الصبر على اجتنابها , بعض المفسرين يرى ان الصبار هو المؤمن بدلالة " أَلا إِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ بَادَ الْجَسَدُ " , (  شَكُورٍ ) , كثير الشكر لنعم المنعم جل وعلا , وقد يرى بعض المفسرين ان الشكور هو المؤمن ايضا بدلالة الحديث " الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر " , فالصبر والشكر يكمل احدهما الاخر , ولا يجتمعان الا في مؤمن صحيح ومكتمل الايمان .  
(  أقول : ولعله اراد به من لا يركب البحر لطلب الرزق ويعتبر لمن ركبه لذلك وقيل اريد بالصبار الشكور المؤمن وفي الحديث الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر رواه في المجمع.
أقول : راكب البحر بين خوف من الغرق ورجاء للخلاص فهو لا يزال بين بلية ونعمة والبلية تطلبه بالصبر والنعمة تطلبه بالشكر فهو صبار شكور ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 

وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ{32}
تضيف الآية الكريمة الى موضوع سابقتها الكريمة (  وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ ) , علتهم وغمرتهم امواج البحر كظل الجبال او كظل السحاب , (  دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) , فزعوا بالدعاء الى الله تعالى خالصا له وحده جل وعلا لا يدعون معه احدا من الهتهم , ان ينجيهم منه , (  فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ) , فلما كتبت لهم النجاة , (  فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ) , صالح "على رأي القمي" , ومنهم من هو متأرجح بين الكفر والايمان , ومنهم من يعود الى كفره , (  وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) , وما يكفر بدلائل قدرته جل وعلا ومنها النجاة (  إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ ) , غدار , الختر هو اشد الغدر , (  كَفُورٍ ) , كثير الكفر للنعم .  

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{33}
تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا لكافة الناس (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) , المؤمن منهم والكافر , (  اتَّقُوا رَبَّكُمْ ) , خافوه باجتناب نواهيه واطيعوه فيما افترض عليكم , (  وَاخْشَوْا يَوْماً ) , خافوا يوم القيامة , حيث (  لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ) , لا يقضي عنه , (  وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً ) , وكذلك العكس , (  إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) , منجز لا محالة , (  فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) , بزخرفها وغرورها , (  وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) , لا يغركم امهال الله تعالى لكم وحلمه عنكم , ولا يغركم الشيطان الرجيم بتسويلاته بان يرجيكم التوبة ويجرئكم على المعاصي .  

إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{34}
تضيف الآية الكريمة مقررة :
1-    (  إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) : وحده جل وعلا يعلم وقت قيامها .
2-    (  وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) : في حينه .
3-    (  وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ) : " من ذكر أو انثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد ومن يكون للنار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا" – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني – .
4-    (  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ) : من خير او شر , وقد يعزم المرء ان يقوم بشيء فيحصل خلافه , اما افضل منه او اسوء .
5-    (  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) : لا يعرف احدا اين سيموت ومتى ؟ , مثل هذه الامور لا يعلمها الا الله تعالى ذكره ومجده .
6-    (  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) :  وهو جل وعلا (  عَلِيمٌ ) , بكل شيء , (  خَبِيرٌ ) , يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها .  
( عن الصادق عليه السلام هذه الخمسة اشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله تعالى ) . "تفسير القمي" .
(  وفي نهج البلاغة فهذا هو علم الغيب الذي لا يعلمه احد الا الله .
وفي المجمع جاء في الحديث ان مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن الا الله وقرأ هذه الآية وقد روي عن أئمة الهدى ان هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى .
أقول : وانما قيل على التفصيل والتحقيق لأنهم عليهم السلام ربما كانوا يخبرون عن بعض هذه على الإجمال وانما كان ذلك تعلما من ذي علم كما قاله امير المؤمنين عليه السلام ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .  
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=71051
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13