يُعدُّ كتاب ( أثر النص المقدس في صناعة التكفير ) من الكتب القيِّمة , لما له من أهمية على المستويين المعرفي والمحاكاتي , وهو يصور الدواعي والاستجابات التي آل اليه المجتمع الاسلامي ومن يعيش في أرض المسلمين واستغلال أعداء الاسلام حبائل الخلافات التي صنعها التأويل مرَّة , والقراءة مرة أخرى , وعدم التأكد من النقل لأسباب النزول مرَّات .
والاستاذ صالح الطائي بفكره النيِّر وقفَ عند أهم الدواعي التي تستنهض الحمية القاتلة لدى الانسان لاسيما الذي يعتنق الدين اعتناقاً دوغمائياً , فأزهقت الأنفس التي حرَّمَ الله قتلها ... فتكفير الآخر مُعلَن والساحة مشتعلة بسفك الدماء ولامن رأفة أو رحمة من الجاني , وكأنَّ الاسلام لاحياة تنبض فيه لدى مُدَّعي الاسلام .
لكن هناك بعض التساؤلات التي تنتاب القاريء لمتن الكتاب , منها : 1- إنَّ الباحث لم ينقل لنا حديثاً عن بعض الصحابة أوالتابعين ممن فهموا القرآن فهما صحيحا كذلك الأئمة المعصومين الذين مثَّلوا القرآن الكريم , و قد امتدَّ وجودهم الى نهاية عمر الدولة العباسية , فأين موقفهم من قضية التكفير , أم أنَّ سكوتهم هو رضىً للاسلام السياسي كما يدَّعي صموئيل هنتغنتن .
2- نسأل : هل إنَّ الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوَّلَ النصوص القرآنية في الحكم الفقهي وغيره من الاحكام أم تبنَّى فهمه على ظاهر النص , إذ لابد للباحث أنْ يوضح ذلك ؛ لتتضح بعض الدواعي للمتلقي .
3- لم يتطرق الباحث الى دور الدول الكبرى المحيطة في سعيها لتهديم الاسلام أو دورها في تحجيم فكره , وهل يُعقل أنَّ الاسلام من الهشاشة ؛ كي تنطلي عليه هذه الخزعبلات وهو خاتم الاديان ؟ وقد قاد البلاد حكَّام كثر حكموا باسم الاسلام وهم مرتبطون بدولٍ تبحث عن مصالحها الاقتصادية والدينية وليس من مصلحتها نهضة الاسلام .
4 – أما بخصوص القراءات القرآنية , فقد لخص الباحث مشكوراً الاقوال التي تضمَّنت مفهومها , لكن هناك نقل لابد للباحث من دحضه , وهو الذي نقله أبو داود السجستاني بقوله : " أنّ الحجاج بن يوسف غيَّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً " ص 92 . ثمَّ يعلِّق الباحث بقوله : ( وبالتالي لانستبعد استغلال السياسيين الاختلاف بالقراءات لتمرير مشاريعهم ومنها مشروع التكفير )... لكن لاننسى قوله تعالى : (( إنَّا نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون )) وفي الآية أكثر من مؤكِّد , وهو ( إنَّ المؤكِّدة وردتْ مرَّتين , واللام في لحافظون ) كما أنَّ القران لايدخله الباطل .
ونقول : يبقى الكتاب ذخيرة حيَّة لما فيه من أبعاد تنمُّ عن ثقافة الباحث من خلال تنويعه الموضوعات التي لها علاقة بثريَّا كتابه , إذ لاتنأى بعيداً عنها , كما اعتمد على مصادر ومراجع مهمة ؛ مما جعل البحث يتَّسم بالثراء في موضوعاته , الا ما انتابه من افتقار الى بعض الشواهد والامثلة التي تدفع بالطروحات الى رصانتها من خلال الحجج والبراهين التي توضح كنهها .
ونرى كما وصف الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلَّم ): (( إنَّ الاسلام بدأ غريباً وسيعودُ غريباً )) ؛ كون التكفير أقبح وسيلة لتسقيط الآخر , وأنَّ السياسة إذا ما نأت بنفسها عن الدين , سنجد مجتمعاً خالياً من العنف والتكفير , فطالما هناك أحقاد وضغائن ليس سببه النص المقدَّس , إنما الغاية هو الطمع في ارتقاء عروش الحكم , فتقوم تلك الاطماع سفها في تغيير فهم النصوص القرآنية أو تطبيق الأحداث التاريخية التي لم تكن في كثير منها صحيحة النقل , أو أنَّ نقلها لم يكن دقيقاً .
شكراً لك أيها الباحث الاسلامي الكبير صالح الطائي المحترم لما بذلته من جهد يستحق الثناء والتقدير . |