لا يمكن لأحد أن يحصي الجوانب الانسانية التي تجسدت في واقعة ألطف، وما تمخض منها من ولادات إنسانية خالدة لايمكن الإغفال عنها او تجاهلها، فمواقف الامام الحسين في كربلاء تُعد من اروع المواقف التي جاء من اجلها المصلحون واستشهد بسببها الأحرار، وضحى من اجلها القديسون .
الامام الحسين( عليه السلام) جسد جميع معاني الانسانية في يوم واحد وفي ساعة واحدة وفي مواقف متعددة من خلال تعامله مع القوم الذين جاءوا لأجل قتله، ومع اصحابه بل ومع اهل بيته، ونستشهد ببعض تلك المواقف النبيلة التي قام بفعلها ابو عبد الله ( ع).
( مواقف خالدة)
لا يستطيع المرء ان يُحصي عدد المواقف والرؤى الانسانية التي تجسدت في واقعة عاشوراء الحسين وما سبقها من تجلّيات انعكست في سلوك ابي عبد الله الحسين (ع) واصحابه، ولا يمكن لإنسان ان يدرك حقيقة تلك المواقف، إلا اننا نحاول جاهدين للوصول الى معرفة اليسير من تلك الحقائق.
ومواقف الامام الحسين خالدةً في مضمونها، واضحةً في أهدافها، نزيهةً في سلوكها، بيّنةً في خطواتها، أبيّةً في عزّتها، مرفوعةً في كرامتها، محفوظةً في صدق نواياها، عظيمةً في تجلّياتها، بارزةً في عليائها، شامخةً في تضحياتها، نيّرةً في فكرها، بارعةً في ادائها، قادرةً على ازالة عروشٍ من اساسها، حقيقةً في واقعها، خالدةً في ذكرها ...
ونحاول ان نسلط الضوء على اليسير من بعض تلك المواقف والجوانب الانسانية منها.
١- الوفاء بالعهد
٢- نصرة المظلوم
٣- اضاءة الطريق( من خلال النصيحة) في ظلمات الفتن
٤- الاستعداد للتضحية دفاعاً عن المباديء والقيم .
ولابد لنا من تسليط الضوء على بعض السمات لشخصية الامام الحسين(ع) من خلال بعض ما قام به من مواقف خالدة .
١- الحسين القائد .
لقد جسد الامام الحسين في مواقفه النبل كونه كقائد، وذلك من خلال صراحته التي كشف عنها عندما أيقن بأنه سيقتل، وان القوم لا يطلبون الا بقتله او يأخذوه أسيراً ذليلاً الى يزيد .
موقفه الإنساني :
وقف ابو عبد الله ليلة العاشر خاطباً بأصحابه وهو يقول : ( أصحابي أنتم في حلٍ من بيعتي ، هذا الليل قد غشيَكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من اهل بيتي، فإن القوم لا يطلبون غيري، ولو ظفروا بي لذهلوا عن غيري)، واراد منهم ان يتركوه يواجه مصيره منفرداً الا انهم رفضوا ذلك العرض، فموقفه الصريح ودعوته لاصحابه بتركه وهو في امس الحاجة اليهم تحت ظل تلك الظروف الصعبة التي لا يستطيع امروٌ ان يستوعب حجم ذلك الموقف، ولكنه اراد ان يعطي درساً برؤيته الانسانية كقائد صريح وشفاف في جميع حالاته، وانه بتلك المواقف اصبح نموذجاً فريداً من نوعه كأنسان جسد جميع معاني النبل في موقفه.
٢- الحسين الانسان .
ومن خلال رؤيته للأمور كإنسان قائد جسد معنى القيادة الحقيقية في الارض، فقد كان يتعامل مع اصحابه وأهل بيته على سواء، وكان يتعامل مع العبد الأسود مثل ( جون) الذي ضحى بنفسه من اجل قائده وامامه، يأتي الحسين الى ذلك العبد الأسود ويمسح بيده على وجهه ويدعوا له قائلاً : ( اللهم بيّض وجهه، وطيّب ريحه) وكان الحسين القائد قبل ذلك تحدث مع ذلك العبد قائلاً : ( انت في حلٍ من بيعتي وانت على خير ) وكان الامام الحسين قد أعتقه واعطاه حرّته بعدما كان عبداً له، وكان حلم العبد آنذاك ان يعيش حراً، ولكنه عندما حصل على حريته زهد فيها لأجل إمامه الحسين( عليه السلام)، بسبب ما رأى من مواقف إنسانية خالدة من سيده طيلة فترة عبوديته له .
٣- الحسين الأب :
جسد الحسين مواقف الإبوّة الحقيقية تجاه ابنائه وبناته في ذلك اليوم، فقد كان الحسين ينظر الى ابنائه يقتلون من اجل القيم الانسانية والعقيدة ومع ذلك فإنه لم يتنازل عنها مهما كلفه ذلك، ولكنه بنفس الوقت كان يشعر بعاطفة الابوّة وهو ينظر الى ولده الأعز على قلبه مضرّجاً بدمه قتيلاً بين الأعداء، ثم يأتيه الحسين ليرى دمائه قد خضّبت وجهه وجسده، يقف الحسين ملتاعاً على جسد ولده وهو يبكي عليه، ثم يتمدد على جسده ويقول له : ( بُني علي على الدنيا بعدك العفا، اما انت فقد استرحت من همٍّ الدنيا وغمّها وتركت أباك لهمّها وغمّها ) ثم يبكي الحسين ( الانسان الأب) بأعلى صوته حزناً على ولده علي الأكبر...
وبدعمنا بقي الحسين وحيداً اراد ان يذهب الى خيمة النساء والأطفال وأراد ان يودع بناته الوداع الأخير ، فراح يسأل عن بناته واحدةً واحدة، ويقبلهن ويوصيهن بالصبر بعد فقده وشهادته . لم يتخلىعن ابوّته وهو في آحنك الظروف .
٤- الحسين الناصح لأعدائه :
الحسين جسد النبل بكل أشكاله من خلال موقفه تجاه اعدائه، حتى بلغ به الامر انه بكى عليهم، وعندما سُئل عن سبب بكائه، اجاب قائلاً : ( واللهِ ما لنفسي بكيت، ولكنني بكيت على هؤلاء القوم الذين سيدخلون النار بسببي)، اي انهم سيلبسون العار الابدي بسبب قتلهم إياي، ولذلك فإنه كان يقوم بنصحهم منذ اللحظة الاولى من لقائه معهم وحتى اخر رمق من حياته.
٥- الحسين الوفي :
جسد الامامُ الحسين الوفاءَ حتى مع الحيوان والدابة التي كان يركبها، وذلك عندما وصل الى الماء بعد قتال شديد مع اعدائه، ثم دخل الى نهر الفرات ( ترعةٌ من النهر ) وقف مع فرسه وكان الحسين يعاني من العطش، ولكنه توقف عن الشرب وراح يخاطب الفرس قائلاً : ( انت عطشانٌ وانا عطشان، والله لن اشرب الماء حتى تشرب انت )، والله لا أستطيع ان آصف تلك المواقف للإمام الحسين( عليه السلام)، انسانٌ في حالة حرب، وتعب، وإرهاق، ولم يشرب الماء منذ مدّة ومع ذلك فإننا نجده قد اتخذ ذلك الموقف، وما أنبله من موقف.
٦- الحسين العطوف :
الحسين القائد يبكي على فقده لاصحابه، يبكي لفقده اخوته، يبكي ليُتم بناته، يبكي لسبي عياله، يبكي لما جرى على أمته، يبكي لفقده أحبته، ولشدّة عاطفته كان الحسين يتمدد في ارض المعركة على اجساد الشهداء من اخوته وأبنائه.
وضع الحسين يده على رأس ابنة مسلم بن عقيل ( حميدة) وذلك عندما وصل خبر استشهاد مسلم في الكوفة، فقالت له : ( يا عمّاه انك تصنع بي كما تصنع مع الأيتام )، فقال لها الحسين : بُنَيّة انّا أبوكِ، وبناتي أخواتكِ) وهو يتكلم معها ويبكي ويكفكف دموعه بكمه .
|