أتظمأُ يا حسينُ و أنتَ ماءُ
وكيفَ حوتْكَ أرضٌ يا سماءُ ؟!
أحطْنَ بكَ المنايا طامعاتٍ
فعُدْنَ بِخَيبةٍ و لَكَ البقاءُ
فصرتَ حياةَ مَنْ يبغيْ حياةً
و باتتْ أرضَ خُلدٍ كربلاءُ
كأنّ اللهَ لمْ يخلقْ شموساً
ولا قمرٌ أنارَ و لا بَهاءُ
فلمّا قامَ رأسُكَ فوقَ رمحٍ
تهاوتْ ظلمةٌ و فشا ضياءُ
تركتَ لخيلِهم صدراً عزيزاً
و قلباً فيهِ قد نامَ النقاءُ
و راحَ الرأسُ يسبقُهُمْ لِشامٍ
وضيءَ الوجهِ غطّتْهُ الدماءُ
فأمسى و هوَ بَدرٌ في مَرُوثا
و في الفيحاء أنتَ لها ذُكاءُ (1 )
تحُفُّ بِكَ الملائِكُ ياابنَ طه
و بالقِردِ المعاِزِفُ و الإماءُ (2 )
أمَتَّ يزيدَ مِنْ ذُلٍّ و خِزيٍ
و هلْ يَقوى على حقٍّ رِياءُ ؟!
وزلزَلْتَ الطُغاةَ وأنتَ رأسٌ
على رُمحٍ علوتَ وهُمْ هباءُ
" فإنْ نهزِمْ فهزّامونَ قِدْماً "
و إنْ نُقتَلْ فما هُزِمَ الإباءُ (3 )
وعَيْشٍ فيْ ظِلالِ الذّلِّ داءٌ
إذا ما كانَ فالمَوتُ الدَّواءُ
هتَفتَ بها، تلُوحُ كَمِثْلِ بَرْقٍ
خُذِينِي يا سُيوفُ، بكِ الشِّفاءُ
ودِسْتَ على التَّوى والقلبُ دامٍ
ومِنْ تحتِ الرّدى قامَ الرّجاءُ (4)
ودِينٍ قدْ فَدَيْتَ وكادَ يُمْحى
لَهُ دَمُكَ البدايةُ والنِّهاءُ !(5)
أرادوا يُظمِئوكَ فصِرْتَ رِيّاً
فأنتَ الماءُ و الخلْقُ الظِّماءُ
عطاشى قدْ أضَرَّ بِنا صَدانا
و أنتَ لِعِشْقِنا الظاميْ رَواءُ (6)
(ألا مِنْ ناصرٍ؟) ها قدْ أتينا
ومَنْ يأبى إذا جاءَ النِّداءُ ؟!
إليكَ نجيءُ نَمشِيها قُروناً
وَ نَبكيْ حينَ يَسْبقُنا القَضاءُ !!
بَدَتْ شمْساً فأمطرَتا دموعاً
ربيعُ اللهِ جاوَرَهُ شِتاءُ !!
وفي الذكرى لِمَنْ بعُدَ اقترابٌ
وفي الذكرى لمحزونٍ عَزاءُ
لقَدْ غارتْ جراحُكَ في حشانا
فنَحنُ و أنتَ في هذا سَواءُ
رضَعنا الحُزنَ مُذْ كُنّا صِغاراً
و إنّا في الشّبابِ لَهُ رِعاءُ (7)
و سهم شَجّ قَلْبَكَ ما عدانا
كأنّا ، حينَ نذكرُهُ ، ذِماءُ ! (8)
تلَقَّتْهُ الدّمَ المسفوحَ روحيْ
قُبَيلَ الأرضِ فهيَ لَهُ وِقاءُ !
يُقَبّلُ جُرحَكَ الزّاكيْ حُسينٌ
فَمُ الدُّنيا و يَبْكيكَ الوفاءُ
أنامُ على الفِراشِ وأنتَ مُلقىً
على شَوكٍ يُغطّيكَ الفضاءُ ؟!
كذا لَبْثُ النّدى فينا قَليلٌ
و عُمْرُ الورْدِ أحْصاهُ الفَناءُ !!
فياروحيْ لَهُ كُونيْ فِراشاً
ويا قلبيْ لَهُ أنتَ الغِطاءُ
يُلامُ الدهرُ بعدَكَ قدْ ولِدْنا
فلمْ نَنْصُرْكَ، لوْ يُجدِي بُكاءُ !
.....................................
1. دَيْر مارت مروثا ، كانَ ديراً مُطلاًّ على مدينة حلب ، نزل بقربه السبايا ، في الطريق إلى دمشق . ذكره الحموي في كتابه "معجم البلدان" .
الفيحاء : من أسماء دمشق ، ذُكاءُ : إسمٌ للشمس لا ينصرف ولا يُعرَّفُ بأل .
2. القرد هنا يزيد بن معاوية لعنهُ الله .
3. " فإنْ نهزِمْ فهزّامونَ قِدْماً " : شطر أحد الأبيات التي أنشدها الإمام عليه السلام في كربلاء ،
فإنْ نهزِمْ فهزّامونَ قِدْماً و إنْ نُهْزَمْ فغيرُ مُهزَّمينا
4. التّوى: الهلاك
5. النِّهاء : النِّهاية
6. صدانا: عَطَشنا
7. رِعاء: رُعاة
(قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) قرآنٌ كريم
8. الذِّماء: بقيّة الروح في الجسم المذبوح
|