رسالة موجعة وقاسية لعامل هندي أرفقها بصورة من بطاقته الشخصية، قام بتوزيعها على قنوات التواصل، الرسالة تضج بالأنين والألم، يبين فيها إنه إنسان جاء من خارج الوطن للبحث عن لقمة العيش، لكن راعه فضاعة ما وجده من سوء المعاملة وقساوة السلوك غير الآدمي الذى لحق به، كما يبين فى رسالته أيضا، بأن جميع أقرانه ورفاقه ممن وجدوا أنفسهم فى تلك الدائرة المعتمة، قد نالهم وطالهم سوء نفس المعاملة فى هذه المظلومية، التى تلونت بشتى أشكال وألوان الظلم والحيف والجورالذى لحق بهم، بمافى ذلك التعدي عليهم على أيدي من أتى بهم إلى هذه البلاد كما يقول، لكن المثيرفى هذه الرسالة هوقوله( ذقت أنا وأبناء جلدتي أنواع البؤس والذل والإمتهان في بلادكم المدعية للإسلام، احتملنا الصفع والاهانة والبصق والضرب وعدم الاحترام، ليس سوى أن بلادنا فقيرة من موارد الغنى، فأتينا نستطعم في بلادكم ليعيش أهلنا هناك، إنسلختم من أخلاق الانسان، وأنحسرت منكم صفات القرآن، فقط لأنكم أغنياء بطرت معيشتكم فرأيتم مَن دونكم عبيدا لكم (ولتسألن يومئذٍ عن النعيم، ويستطرد قائلا..هاهي الايام تدوروعقارب الساعة ماضية في لدغكم، وعلاماتها واضحة لنا ولكم!)
انظروا لرواتبكم كيف بخست، فلاتكفيكم، انظروا لمساكنكم ضاقت بأطفالكم انظروا لصحرائكم عارية تتعذركم!
انظروا لأسماككم وُئدت في بطون بحاركم، انظروا لنسائكم تتكسب لعيالكم، بعدما كنّ مقصورات في بيوتكم، انظروا لأخلاقكم مع بعضكم كيف قسيت بها قلوبكم، وكثرت جرائمكم في حقكم، وانحسرالامان من شوارعكم، وها أنتم في حرب مع جيرانكم، ثم ترجون أن تستغنوا!
فاستعدوا للفقر..واستعدوا للذل..واستعدوا للهوان..وسيأتي يوم يتشرد أبناءكم، ويتغرب أحفادكم، يضربون في الارض للبحث عن أكلةٍ تشبع جوعتهم، وشربة تطفئ ظمأهم، وربما هربوا طلبا لمسكن يحتويهم، عندها توفى الديون وتخجل العيون، وماربك بظلام للعبيد!
تلك تبدوصرخة مؤلمة موجعة وقاسية فيما تضمنته وعبرت عنه الرسالة، وعما لقيه صاحبها ورفاقه كمايقول من معاناة قاسية، على أيدي مواطنينا..!!
وهوما دعاه لأن يوجه هذه الرسالة شديدة اللهجة، والتى تسربت عبرالكثيرمن قنوت التواصل، بما احتوته من عبارات الوجع والقسوة..!!
هذا ورغم أنني أشاطرصاحب الرسالة الألم وأتعاطف معه فى الإحساس بمشاعره المؤلمة بعمق فداحة قضيتة ووضعها المأساوي بالشكل الذى أشارإليه ومما حل به من ظلم وذل ومهانة وحيف لحق به وبأقرانه كما يذكر، وبغض النظر أيضا عما إذا كانت روايته صادقة أم لا، إﻻ أنني فى الوقت نفسه ومن جانب آخرأيضا استنكربأشد عبارات الإستنكار، كما وأرفض رفضا قاطعا صيغة تعميمه فى توجيه هذه الإدانه الجماعية بصورة عامة لكافة أفراد المجتمع بدون إستثناء، فهولم يخصص مثلا أحدا أوجهة من لجهات، أوفئة معينة من الفئات بعينها، يمكن له بأن يخصها بهذا الإتهام، ولكنه للأسف كما هوواضح قد وجه وساق إتهامه وإدانته عن تعمد وسبق إصرار، على إتهام وإدانة جميع أقطاب وفئات المجتمع بأكمله فى هذه البلاد بشكل عام دون إستثناء، وهذا فى الواقع هوالسبب الرئيسي لطرحي لهذا الموضوع..!!
ولاشك بأنه من غيرالمعقول ولا المقبول، بأن يقوم كائن ما كان بتوجيه إتهام بهذه البشاعة ويشمل توزيع إتهامه وإدانته للمجتمع بأكمله دون تمييزأوتفريق بين أحد منهم، بل ساواهم جميعا فى سلة واحدة، فلم يميزولم يفرق بينماهوإنسان منصف وعادل وبينما هوإنسان ظالم ومجحف..؟!!
وعليه فإننا وإن كنا قد نوافقه على وجود بعض الأخطاء الصادرة من بعض الفئات، التى فقدت إيمانها وضميرها وتجردت من قيم الدين والأخلاق والإنسانية، فى تعاملها وسلوكها المشين مع بعض العمالة الوافدة، بتلك الطرق الإستغلالية المهينة المذلة، للابتزازوسرقة حقوق وأتعاب تلك العمالة، بهذه الوسائل التى تتنافى مع كل الأنظمة والأعراف والقوانين المحلية والدولية والتشريعية المنظمة لحقوق الإنسان، أقول إن كنا نتعاطف معه فى وجود بعض من تك الحالات أوالفئات فى المجتمع، لكننا بأي حال من الأحوال، نرفض رفضا قاطعا ولانقبل منه صفته فى التعميم الجماعي، وبالتالي نرفض كذلك تشضيه وشماتته بما وصفه بأن الجميع سيدفع الثمن، فقرا وذلا ومهانة، وإشارته إلى أن بواذرالمصائب والنكبات، قد بدات تنهال وتحل علينا، متجسدة فى مظاهركثيرة، فعقارب الساعة قد بدأت فى الدوران علينا كما يقول، كناية على الإنتقام الذى حله الله بنا، لما جنيناه بحقه وبحق رفاقه الذين لاقوا أشد ألوان الضيم والظلم والحيف، الذى لحق بهم جراء نكايتنا وأفعالنا المشينة بهم بحسب زعمه..!!
وفى هذا الجانب يمكننا بأن نقول له هنا..نعم سيدي نعترف بأن هناك الكثيرمن التحوﻻت الكبيرة التى حدثت فى السنوات الأخيرة فى هذا الجانب وطالت معظم فئات مجتمعنا، وما طرأ خلال ذلك من تغييرات وتأثيرات على منظومة القيم العامة والشاملة التى مست هذا المجتمع ولاننكرذلك، وبالتالي ماحدث أيضا نتيجة لهذه المتغيرات، من إنحسارواندثارواضح، لكثيرمن الظاواهروالمظاهرالإجتماعية والإقتصادية العامة، التى كانت تزخربها حياتنا، وعاش رفاهيتها مجتمعنا منذ سنوات الطفرة، وماتميزت به أوضاع البعض للأسف، من سلبيات فى مظاهرالبطروالبذخ والإستهتاربتلك الموارد والثروات على هذا الصعيد، وعلى الصعيد الآخركذلك ماحصل أيضا، من تراجع فى مجمل مظاهرومنظومة القيم الإنسانية والأخلاقية والسلوكية، وإمعاننا وتمادينا فى التواكل والإنصراف للنواحي المادية والإستهلاكية، ربما على حساب قيمنا ومبادئنا وعاداتنا وتقاليدينا الدينية والأخلاقية والتراثية والإجتماعية، إلى غيرذلك من التحولات التى مست معظم مظاهرحياتنا بصورة عامة وشاملة بكل أسف..!!
ولكن ذلك كله بالطبع لم يكن مرده وأسبابه، هوانتقاما من الله لتلك العمالة وكنتيجة لما لحق بها من أذى وظلم وحيف، سببه ومسوغه هوهذا المجتمع كما أراد صاحبنا أن يتشضى ويتشمت وينسب كل تلك التحولات والمتغيرات إلى تلك الأسباب والمسوغات، هذا وإن شملت تلك جوانب منها، بمايمس إنسلاخنا من كثيرمن أخلاقياتنا، التى إنعكس تأثيرها المباشرعلى سلوكياتنا العامة، سواء مع الغيرأومع بعضنا البعض..!!
لكن ذلك فى مجمل الأحوال لم يكن له علاقة بالقضايا العمالية بتاتا، بل أن هناك مسوغات وأسباب كثيرة، قد أدت بنا إلى هذا التراجع والتحول الكبيرالذى طرأ على مجمل حياتنا وعلاقاتنا العامة والخاصة أيضا، وإن كان ذلك لم يقتصرعلى مجتمعنا المحلي، فهذا كما هومعلوم قد طال وعم وشمل كل ومعظم المجتمعات العربية عامة.
وأما الأسباب بالطبع لهذه القضايا فهي كثيرة ومتعددة أيضا، ولها أسبابا ومسوغات أخرى، لها مساس واضح بعوامل وظروف مختلفة، لعل منها مايتعلق بالتحولات والإنتقالات الريفية والبدوية والمدنية والحضرية، وغيرهذا مما يخص المتغيرات فى طبيعة الظروف وتأثيرالحضارة الغربية على أنماط وتقاليد وعادت الشعوب، بما احتوته من إيجابيات وسلبيات، أضف إلى ذلك تأثيرات الإعلام ومايتعلق بالمتغييرات السياسية والنظام السياسي العربي ذاته أيضا، بجانب ذلك مايمربه العالم اليوم من أحداث جسام وتطورات خطيرة، جميعها قد أدت إلى حصول هذه الأوضاع والأحداث الإستثنائية، التى تعيشها الأمة فى هذه المرحلة الدقيقة من حياتها.
فلا يجب إذن بأن تؤل تلك المتغيرات إلى عوامل أخرى، تعود لمسوغات إنتقامية فردية، تحرفها عن مسارها الحقيقى الصحيح بسبب رغبة فردية جامحة، وﻻ لأيي من الأسباب الأخرى، المتعلقة بقضية هامشية من تلك القضايا الحقوقية العمالية، جاءت كردة فعل ضد فئة بعينها من الفئات، كما هي هذه المحاولة فى تجييرأهدافها وأسبابها لمثل تلك الدواعي والمبررات، والتى جاءت فى محصلة إدعاءات هذه الرسالة، وبالتالي محاولة جرنا للإعتراف والتسليم بكل إدعاءاتها وإتهاماتها ومسوغاتها، وإلى غيرذلك من المصطلحات الخاطئة التى بينتها الرسالة، حتى ندفعها كثمنا باهضا، لما اقترفناه أوإقترفها مجتمعنا بشكل عام بحق تلك العمالة الوافدة، كما يقول صاحب الرسالة جزافا وإدعاءا..؟!!
احمد علي الشمر |