كل شيء بات يستفزه، حتى ذلك الذي اعتاد ان يسره بتفاصيل معيشته الخاصة والتي ارتبط الجزء الأكبر منها بتبعيات ابتعاده عن زخرفة المظاهر الزائفة، وأكاذيب ورهانات البحث عن ابجديات السلطة، في وطن يتحمل من بقي فيه وطأة التمزق والحرب والتشرد، تلك التي انتجتها ظاهرة الهجرة وسلطة الطاغوت.
لقد أصبح الجميع راضيا قانعا بجميع تفاصيل وموضوعات الغربة، رغم آفاتها، وتداخلاتها، التي غالبا ما تقود الى تنافر وتقاطع بعض القيم الخاصة بهوية الإنتماء الوطني والديني والإجتماعي، اوالجمالي، اقصد القوالب المحركة لمكونات هذه الأنواع من الانتماءات؛
ما يشتمل على مفردات القوانين، طبيعة العلاقات مع الآخرين، نظام العمل، القروض، نظام البنوك، فواتير الحسابات واجور الكهرباء، العوز، السفر، المساعدات الحكومية، بل حتى طريقة التفكير بالأشياء والموضوعات، بما فيها حقيقة الإنتماء والتفاعل مع الثقافات الأخرى.
كل شيء يصبح مخيفا موحشا مضطربا، عندما لا يجد المرء من يمد له يد العون، وخاصة عندما يشعر انه في مرتبة من مراتب العلم والنقاء تميزه او تجعله بعيدا عن أفكار وتطلعات من يحيطون به.
فالعامة يتطلعون الى موديلات السيارات، وانواع المبايلات، ونسبة الأرصدة المالية والعقارات، مضافا اليها المستويات الوزارية اوالاستشارية التي حصل عليها الكثير ممن يسعى الى طرق الكسب السريع اوالرخيص عن طريق الترشيح مع الكتل السياسية تارة، أو عن طريق المتنفذين فيها تارة أخرى.
هنا حيث يصبح للرذيلة مؤيدين وجماعات وقوانين يجري بموجبها اداء اليمين لما يدعى او يسمى "الحفاظ حرمة على الوطن"، لذلك تتحول المتلازمات الى اضداد، وبعكسها في الوقت ذاته تتحول الأضداد الى متلازمات،
فالقريب يصبح ضدا، والعدو يصبح من المتلازمات، خاصة عندما يدنو صوب شيء ينفر منه ذلك الذي صار ضدا، لهذا وفي كلا الامرين يتحول الواقع الى نفور مطلق.
علما ان المقصود بالمتلازمات هنا، هو نمط اوكيفية جريان، اوتفاعل العلاقات المتلازمة فيما بينها، كما ملازمة الماء الى النبات، وحاجة النبات اليه، وضدية السبخ الى الخصوبة.
لذلك عند مفترق الأشياء، جلس صاحبي الذي راح يشعر بالخيبة ذات يوم مع دوامة مشاعره التي تحولت الى وخز يجتاح كيانه، يشده الى نفق من الألغاز في زمن كان يظن انه سيغدو الأقرب الى من يحيطون به، لكنه سرعان ما أحيط بشيء آخر، لقد تحولت وجوه الأقربين الى كائنات متوحشة تسعى لإفتراسه، فالقريب يسعى للنيل منه أويعد لقتله وتصفيته.
لهذا قرر ان يرسم دائرة عند أقصى نقطة من الألم، يتضايف معها، يرحل عبرها بعيدا عن هذا الصخب الذي يكاد ان يرمي به، أو يزجه الى الجحيم، قرر ان يخاصم مكانه، يحارب جميع قيوده، يتحرر من اثقال كثافته الفيزيائية، ينتصر عليها بطريقة التفرد، يصبح انسانا بلا مادة، يحطم جميع الحواجز.
راح يركض بطريقة ما، ليمسك نقطة الأصل، لكنه في الحقيقة بقي واقفا بعيدا عند مساحة ما من مساحات تفكيره، نظر الى خطوط التقاطع، وجد زاوية ما على السطح، كانت تجمع جميع الألوان، تشده إليها كما قارب نجاة أقبل لنجدته، اخترقها ليلامس الأفق، إقتربت جميع الخطوط صوب نقطة الأصل، اما هو فقد رأى نفسه عند آخر نقطة من هذا العالم.
لقد أحس بالفرحة الغامرة عندما تحرر من قيوده تلك التي كانت تجعل منه كائنا ثقيلا يخشى الحركة، راح يحلق بعيدا في الأفق، احس كيف ان الشمس قد غابت بشعاعها تماما، وسط المحيط الهادي، لتفترش ألوانها البنفسجية او البرتقالية الداكنة عند القاع، تجثو كما بقعة من الأرض تغمرها المياه، لذلك بعيدا جدا عن هذا العالم، راح كما عهدته مستقرا، كيسا يوزع نفسه كما اشعة الشمس الغاربة، بحثا عن اشراقة ليل بلا سماء.
......
ساندياكو |