في الأيام القليلة الماضية دعا شباب سلفيون من مصر على موقع التواصل الاجتماعي [ FACEBOOK ] للقيام بحملة هدفها إطلاق مليون لحية (!) قبل الأول من شهر رمضان المبارك المقبل .
بالحقيقة لقد إستغربت كثيرا من هذا الخبر السلفي بإمتياز ، مع ان غرائب السلفية المعاصرة كثيرة لاتنتهي ، نظرا لغرابة تفكيرهم وشدة ولعهم وتعلقهم بالقشور والثانويات والجزئيات من الأمور والقضايا والأولويات بدلا من الاهتمام باللب والجوهر منها . هذا بالرغم من ان رسول الله محمد [ ص ] قال :{ إن الله لاينظر الى أجسامكم وصوركم ، بل ينظر الى قلوبكم وأعمالكم } ! . ذلك ان العمل والخلق والمعاملة والسلوك للفرد المؤمن هو الذي له قيمة ومصداقية وإعتبارية في ميزان الاسلام ، لا شكل الانسان ولونه ولسانه وجسمه ولباسه . وإن أحد تعريف الدين الاسلامي قد عرّفه صاحب الرسالة نفسه سيدي رسول الله محمد [ ص ] بكلمة واحدة فقال : { الدين ؛ المعاملة } . أي كيفية تعامل المتدين مع نفسه وأهله ومحيطه والناس عموما ، حيث المفترض أن يكون التعامل مبنيا على كريم الخصال وفضائل السجايا والصدق والصراحة في القول والاتقان في العمل ، مع الحب والود لكل الناس بغض النظر عما هم عليه من نٍحل ومعتقدات وألوان وأجناس وأرومات كما التعاليم القرآنية تقول ، وكما التعاليم النبوية أرشدتنا الى ذلك ، منها انه عليه الصلاة والسلام قال مشبّها المؤمن بالنحلة لجمّ فوائدها العظيمة للناس جميعا : { المؤمن كالنحلة إن حملت حملت طيبا ، وإن وضعت وضعت طيبا } . وفي أخوة الانسان للانسان بغض النظر عمّا هو عليه قال الامام علي [ رض ] :{ الناس صنفان ؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق } !!! .
ثم المنشود والمتوقع أن يكون المؤمن كيّسا وفطنا كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، وذا آفاق واسعة ورحبة في التفكير والاستشراف للأمور والقضايا . لهذا كان المفترض من الاخوة السلفيين المصريين – هداهم وسامحهم الله تعالى وإيّانا –بدلا من حملتهم الذقنية هذه لإطلاق مليون لحى للشباب قبل الأول من شهر رمضان المبارك المقبل ، إطلاق حملة شاملة وجامعة وعاملة تدور مدارها على العدل والاعتدال ، وعلى السماحة والتسامح ، وعلى تعزيز أواصر الأخوة والألفة والتآلف والمحبة بين المصريين بلا أيّ إستثناء ! .
وهكذا فقد كان الأولى والأوجب ، ثم الأقرب الى روح الاسلام الانسانية وتعاليمه السمحة الدعوة الى حملة الى حسن النظام والانتظام ، والى الاعتدال والوسطية ، والى البعد عن كل مظاهر الاستفزاز والتطرف والمغالاة والعنف بجميع مظاهره وأشكاله وأنواعه وألوانه ، مضافا إدانته وشجبه لا في مصر وحدها ، بل في غيرها من البلدان والأقطار ! .
إن المسألة المهمة الأخرى التي يجب أن نعيها جميعا هي أن السلفية بالحقيقة ليست مذهبا إسلاميا بأيّ شكل من الأشكال ، بل كانت هي مرحلة زمنية وحقبة تاريخية مباركة ، لذا فإن إعطاء السلفية بعدا مذهبيا وشارات خاصة تناقض الكتاب والسنة ووحدة الأمة الاسلامية وتماسكها ، وأنها توجد الفرقة والخلاف بين المسلمين كما أوجدت ، لأن الاسلام في جوهره لاسنية ولاشيعية ، ولاسلفية ولاخلفية ولاغيرها . الاسلام هو الاسلام القائم على الكتاب الكريم وصحيح السنة ، ثم إجتهاد العلماء والمجتهدين على أساسهما ، وعلى أساس المقاصد والمصالح للناس بحسب مايهتدي اليه العقل من جَهد وجُهد وإجتهاد للحياة وقضاياها من جميع النواحي ! . |