بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
كان الدافع الرئيسي المسبب لكتابة هذا الرد على الكتيب سيء الصيت للمحامي حسن شبَّر المسمى "الرد الكريم على السيد محمد باقر الحكيم" هو أمرين :
الأول : دفع التجني الذي قام به حسن شبَّر تجاه شخص الشهيد الحكيم (قده) مستخدماً أساليب ملتوية منها تلاعب بالألفاظ وإستغفال المؤمنين وطمس للحقائق ، فوجدنا وجوب إظهار الحق وإبطال الباطل ، وفاءاً منَّا للتاريخ الجهادي المشرف للسيد الشهيد الحكيم (قده).
الثاني : تصحيح الأخطاء التي ذكرها حسن شبَّر في خصوص مسيرة الحركة الإسلامية العراقية وتوضيح الحقائق التي جرت عليها مسيرة تلك الحركة ، وبيان بعض ملابسات عملها ، بما يمكن الأجيال القادمة من فهم حقيقة ما جرى من أحداث تناولها هذا الرد ، فتكون رؤيتهم لها واضحة وحقيقية وبذلك يتمكنون من الوصول إلى نتائج صحيحة في القادم من المسيرة ، حين يتجنبون أخطاء الماضي بعد معرفتها طبعاً.
ولم يكن الغرض من هذا الـرد هو التشهير بأحدٍ ما سواء كـان حسن شبَّر أو غيره وسـواء ذكرنا بعض الحقائـق التي تمس شخصه أو لم نذكرها لأن تصديه هو وغيره للعمل الإسلامي وإقحام نفسه في تقييم وتصحيح أفكار الآخرين (كما فعل في الرد الكريم) جعل من حقنا أن ننتقده بمكانته التي هو عليها لا بشخصه ، كما لم يكن مقصودنا هو الوقوف ضد أي جهة حزبية أو التشهير بها سواء كانت الجهة هي حزب الدعوة الإسلامية أم غيرها.
وأما الشهيد الحكيم (قده) فإن دفاعنا عنه في هذا الرد لا يعود إلى إنتمائنا للتنظيم الذي كان يترأسه (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) ونحن لم ننتم إليه مطلقاً ولا لغيره من التنظيمات والأحزاب الإسلامية ، بل دفاعنا عن الشهيد الحكيم (قده) يعود لما يمثله من قيمة عليا وتاريخ ناصع في حركة الأمة نحو التخلص من الظلم والطغيان الذي حلَّ بها في ظل النظام العفلقي المقبور ، ولأن الشهيد الحكيم (قده) يُعد المنظّر الأول للنظريات الإسلامية السياسية بعد ان أستلهم أسسها من أستاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) ، فالشهيد الحكيم (قده) يحمل فكراً ومنهجاً لجميع المؤمنين وهو ليس حكراً على ( المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ) ، فالمرجعية السياسية التي كان الشهيد الحكيم (قده) يمثلها والمنظوية تحت جناح الولي الفقيه تارة والمرجع الأعلى تارة أخرى ـ بحسب متطلبات العمل الإسلامي ـ هي مرجعية سياسية تعمل لصالح جميع المؤمنين وليس المجلس الأعلى فحسب ، فلجميع المؤمنين الحق في الشهيد الحكيم (قده) وليس ( المجلس الأعلى ) فقط.
فهذا الرد نضعه بين أيدي المؤمنين عسى أن نكون قد أصبنا الصواب فيه ، فهو هدفنا الأسمى الذي نسعى إليه.
الدعاة والدعوة:
من الملفت للنظر محاولة بعض الباحثين في تاريخ الحركة الإسلامية العراقية توجيه مسيرة الحركة الإسلامية وإقحامها في الأتجاهات التالية :
الإتجاه الأول :
إن حزب الدعوة الإسلامية هو الحزب الوحيد الذي عمل على تفعيل الحركة الإسلامية أو هو الحزب الأكثر فاعلية على أقل تقدير وإنه لم يحدث أي نشاط إسلامي أوفعالية حركية إلا ولحزب الدعوة الإسلامية الدور الوحيد أو الرئيسي على أقل تقدير فيها إبتداءاً من سنة 1958م. يقول حسن شبَّر : ( والحكيم يعرف جيداً كم هو تأثير حزب الدعوة الإسلامية في العراق ، كيف كان العراق قبل جيل الدعوة وكيف أصبح ؟ )(1) ، ويستشهد بكلام للسيد مرتضى العسكري (حفظه الله) ينسب فيه لحزب الدعوة الإسلامية الدور في التأثير في العراق كله فيقول : ( لقد كان الجو ملائماً للحركة (للدعوة) كان العدد قليلاً ، أولئك الذين يقررون شيئاً واحداً فينطلق العراق كله بهذا الصدد)(2) ، ويستشهد بكلام الأستاذ علي المؤمن الذي قال : ( أما حزب الدعوة الإسلامية فإنه برغم الأوضاع الصعبة السائدة في العهد القاسمي فقد ساهم في تعبئة الجماهير المؤمنة ضد المد الماركسي والتيارات الفكرية والسياسية الأخرى ، وبذل جهداً كبيراً من أجل نشر الفكر الإسلامي وتحصين الأمة بالثقافة العقائدية الدينية من خلال مختلف النشاطات كإصدار الكتب والمجلات وإقامة الإحتفالات والندوات والدروس وغيرها من مظاهر التوعية الإسلامية ، وذلك من خلال الواجهات الدينية المتعددة التي توحي بأنها تعمل بشكل مستقل وفردي ، كما عمل الدعاة في إطار برامج الحوزة والمرجعية الدينية وساندوهما بمختلف الوسائل ، فحين طرحت حكومة قاسم قانون الأحوال الشخصية والقرارات الأخرى المنافية للشريعة الإسلامية بادر الدعاة للمساهمة في إستنفار الجماهير لمؤازرة المرجعية وطالبوا بتطبيق القانون الإسلامي بدلاً عن القانون المعلن )(3).
بيان خطـأ الإتجاه الأول :
ينبغي أن نعلم أن هناك الكثير من التنظيمات الإسلامية التي سبقت حزب الدعوة الإسلامية في الظهور والنشاط وتنظيمات أخرى عاصرته في الظهور والعمل والنشاط نذكر منها :
1. منظمة الشباب المسلم (1940 ـ 1985)م.
2. منظمة المسلمين العقائديين (تأسست سنة 1954م).
3. منظمة شباب العقيدة والإيمان (تأسست سنة 1957م).
4. حركة الرساليين الطلائع (ظهرت في الستينييات).
5. حركة المرجعية (ظهرت في الستينيات).
6. جماعة العلماء في النجف الأشرف (تأسست سنة 1958م).
7. جمعية الصندوق الخيري الإسلامي (تأسس سنة 1958م).
8. جماعة العلماء في بغداد والكاظمية ( تأسست سنة 1965م).
9. جمعية التضامن الإسلامي (في الناصرية).
10. جمعية دار الرسالة الإسلامية (تأسست سنة 1966م).
11. جمعية الوعظ والإرشاد الحسيني (في الكوفة).
12. الجمعية الخيرية الإسلامية.
13. مدارس حفظ القرآن في كربلاء المقدسة.
14. جمعية المبلغين في كربلاء المقدسة.
15. الجمعية الثقافية الإجتماعية الإسلامية.
16. جمعية العدالة الإسلامية (تأسست سنة 1965م)(4).
وعدد آخر من الجمعيات والمنظمات الإسلامية ، فحزب الدعوة الإسلامية كان رقماً يضاف لهذه الأرقام وليس هو الرقم الوحيد. هذه الجمعيات والمنظمات والأحزاب بدأت نشاطها أو فعّلته بصورة متزامنة مع بروز مرجعية المغفور له آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قده) في أواسط الخمسينيات ، فهل يصح أن يتم سلب ثمرات عمل هذه الجمعيات والمنظمات وتأثيرهاالبالغ في المجتمع العراقي وإعتبارذلك كله من نتاج حزب واحد هو حزب الدعوة الإسلامية ؟!
ولا بد إنَّ القاريء يلمس المبالغة في كلام السيد مرتضى العسكري (حفظه الله) آنف الذكر ، وكذلك في كلام الأستاذ علي المؤمن صاحب سنوات الجمر الذي أشار بدوره إلى دور حزب الدعوة الإسلامية إلى ( تعبئة الجماهير المؤمنة ضد المد الماركسي والتيارات الفكرية والسياسية الأخرى ) إلى آخر كلامه الذي ذكرناه آنفاً ، غير أنه عاد ليؤكد عمل الدعاة من خلال الواجهات الدينية المتعددة كالحوزة والمرجعية ، وكذلك دور الدعاة في إستنفار الجماهير ضد قوانين عبد الكريم قاسم المذكورة ، بل إنَّ هناك الكثير من الوقائع التي تثبت إنَّ حزب الدعوة الإسلامية كان يُستَنْفَر من قبل الجماهير المسلمة ويسير في ركابها ويستثمر الأجواء التي تهيئها لها الجماهير المسلمة ، فعلى سبيل المثال بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران قامت جماعات من المؤمنين بتأثير الثورة وهم من غير المنتمين لحزب الدعوة الإسلامية قاموا بأعمال مختلفة من قبيل توزيع المنشورات والكتابة على الحيطان ورفع اللافتات التي تحمل شعارات سياسية وتعليقها على مفارق الطرق والساحات العامة ، وهي نشاطات عمَّت العراق بأسره خلال تلك الفترة. وقد شكَّلت هذه الظاهرة سنداً لفكرة (إحماء الساحة) التي تبناهـا الشهيد محمد هادي السبيتي الرجل الأول في حزب الدعوة الإسلامية(5) ، وبذلك نجد إنَّ الجماهير المؤمنة هي التي كانت تقوم بتحريك وتهيئة الأجواء لحزب الدعوة الإسلامية للقيام بالفعاليات نفسها إنطلاقاً من المبدأ الذي تبنـاه حزب الدعوة الإسلامية وهو : ( إنَّ على الدعوة أن لا تسبق الأمة وأن لا تتخلف عنها في الوقت نفسه )(6) ، وإنَّ هذا المبدأ ينطبق على مسيرة حزب الدعوة الإسلامية بل هو الدالة الحقيقية على طبيعة تلك المسيرة.
وبذلك نتوصل لنتيجتين :
الأولى : إنَّ حزب الدعوة الإسلامية كان يستثمر الأجواء التي تهيئها له المرجعية الدينية العليا والجماهير المؤمنة المرتبطة بالمرجعية المذكورة من خلال فعالياتها الإسلامية.
الثانية : إنَّ الدعاة أنفسهم كانوا يأتمرون بأوامر المرجعية العليا بإعتبارهم مؤمنين ملزمين شرعاً بإتّباعها في الأحكام الشرعية التي تشمل نواحي الحياة المختلفة ، فمن الخطأ إعتبار كل ما يصدر عن الدعـاة هو من ثمرات حزب الدعوة الإسلامية ، وهو الأمر الذي سنناقشه مفصلاً في (بيان خطأ الإتجاه الثاني).
الهوامش:
(1)الرد الكريم ـ ص11.
[2] المصدر السابق ـ ص17.
[3] المصدر السابق ـ ص13.
[4] سنوات الجمر ـ ص 27 و 60 و 79 و 90.
[5] حزب الدعوة الإسلامية ، حقائق ووثائق – ص264.
[6] المصدر السابق – ص264.