لو عُهد إلىّ أن أرسم خارطة سياسية لمجتمع تونس، وللمجتمع العربي الإسلامي عموما، لقررت ما يلي:
أولا، سأسمي اليمين (الليبرالي والإسلامي خاصة) يسارا، أي من أهل الشمال في القرآن، ذلك لأنّ وعودهم السياسية لا تعدو أن تكون إنتاجا لفكرٍ يتناقض مع قيم مثل العدل والمساواة في الإسلام وتثبيتا لسياسات التطرف الرأسمالي الشائعة.
ثانيا، سأسمي اليسار (الشيوعي والاشتراكي والحداثي إجمالا) يمينا أو في طريق التيمّن، ذلك لأنهم أقرب في زعومهم وفي وعودهم السياسية إلى الإسلام من الإسلاميين أنفسهم. لكن عيبهم أنهم لا يدرجون في أجنداتهم ولا في خطابهم أي اهتمام علمي لعقيدة الشعب، ممّا يحتّم إعادة تصنيفهم يمينا، بل يمينا متطرفا.
ثالثا، سأنصحُ اليمين أن يتيسّر واليسار أن يتيمّن بالمعنى القرآني، ذلك أنّ الصراع الحقيقي هو ذاك الذي سيُحدد مَن هُم أهل اليمين ومَن هُم أهل الشمال. أمّا المعيار الرئيس والمُحدد مَن هنا ومَن هناك فهو مدى التأييد الذي ستلقاه البرامج الانتخابية لهؤلاء ولأولئك بمقتضى اندراج هذه البرامج في الإطار الثقافي والحضاري للشعب العربي المسلم العالمي.
رابعا، سأرسل بطاقة ولاء وتأييد لكنها مُذيّلة بنُوتات من اللوم والعتاب إلى القاعدة الشعبية العريضة والتي من المفترض أن تتشكل منها قاعدة للناخبين: أنتم حائرون بخصوص مَن ستختارون من الأحزاب، وأنتم مُحقون في حيرتكم. أنتم مُحقون لأنّ لا اليمين ولا اليسار يفهمُ ما أنتم تريدون. وهُم لا يعرفون مَن أنتم لأنكم لا تعرفون ماذا تريدون حتى يتشكل الأحزاب حسب ما تُعبّرون عنه وحتى تتألف البرامج بمقتضى ما أنتم متطلعون إلى تحقيقه.
لكن هل أنتم معبّرون؟ أنتم مُكيَّفون على امتداد قرن ونصف القرن من الاستعمار تقريبا، بما فيها حقبة الاستقلال، لأن تكونوا يمينا، مستهلكين للحداثة، إن تفريطا أم إفراطا، ما دفعَكم إلى فقدان علامات الطريق والانزياح يسارا، ومنه لأن ترفضوا التحول إلى أهل يمين، منفتحين على دينكم بعيون حديثة.
محمد الحمّار
معلم الانكليزية
|