سقوط الرمادي خرق سياسي وليس خرقاً عسكرياً هكذا قال أحد المعلقين على دخول الدواعش محافظة الرمادي في ١٨/٥/٢٠١٥ ، وهو بذلك يذكر بتناقض آراء أصحاب القرار وتباينها بمسائل مصيرية ، في حين كانت داعش تعد العدة والعدد لتحقيق انجاز مهم يعيد لرجالها المعنويات التي فقدتها بعد تحرير تكريت . فقبل سقوط الرمادي صدرت تصريحات متباينة بشأن الجهة المقبلة للقوات المسلحة أهي الموصل أم الانبار ؟ هل سيشترك الحشد الشعبي أم لا ؟ هل يكفي مخزون السلاح لدى الجيش ؟ هل من مساعدة من طيران التحالف بل هل لطيران التحالف من فائدة تذكر في معارك التحرير ؟ أمريكا منزعجة من قوات الحشد الشعبي وتدعي انها غير خاضعة لسيطرة الحكومة !! تناول هذه القضايا أمام الاعلام وبوجهات نظر متعددة ومتعارضة أفاد الارهابيين كثيراً ورفع من معنوياتهم وبالمقابل أربك القوات العراقية وزاد في معاناتها .
سقوط الرمادي عمّق القناعة لأهل الانبار خصوصاً ولأهل المنطقة الغربية عموماً بأن داعش ليست خياراً أفضل من الحكومة الحالية ، فهي - أي داعش - لا تحمل مشروع دولة على الاطلاق ولا تستميل السكان ولا تتعظ بالدروس فهي في اول يوم دخلت قتلت (٥٠٠) مواطناً بينهم اطفال وشيوخ ، وراحت تبحث عن أهالي افراد الشرطة والجيش لتنتقم منهم ففر الآلاف على وجوههم فلما رأى ذلك أهل الحل والعقد من شيوخ ومسؤولين أعلنوا انهم لا يمانعون في دخول الحشد الشعبي مع القوات المسلحة الاخرى لتحرير المدينة المنكوبة وكان قراراً متأخراً .
سقوط الرمادي أنذر العراقيين أن أداء الحكومة على هذا المنوال لا يبعث على الاطمئنان بأننا في مأمنٍ من الارهاب ، فالحكومة لم تحسم أمرها بعد ولم تأوِ إلى ركنٍ شديد ( حياد ايجابي ، أو محور الممانعة ، أو محور أمريكا) فهي تسمع لأكثر من صوت ، وتقدم قدماً وتؤخر أخرى في ظرف يستدعي الحسم السريع والقرار الجريء فالتردد يسبب بمثل هذه الظروف خسارةً كبيرة وسقوط الرمادي كان تلك الخسارة .
سقوط الرمادي أثار تساؤلاً كبيراً عند كل العراقيين ، تساؤلاً يخجل بعض العراقيين حتى من التفكير فيه ، ناهيك عن طرحه أمام وسائل الاعلام قبل سقوط الرمادي ولكنه اليوم يطرح بصوت عال ، التساؤل هو : هل في تقسيم العراق حل لمشكلة الارهاب ؟ أم أن وحدة العراق خط أحمر لا يمكن تجاوزه حتى لو تلونت مياه دجلة والفرات بلون دمائنا ؟ أم إن ذلك القرار هو الآخر بات اليوم ليس في ايدينا فغيرنا من يقرر كيف يكون ومتى يكون التقسيم وعلى يدي مَن ومن قِبَل مَن ؟
لا نشك أن الرمادي ستعود وسيطرد منها الداعشيون قريبا ولكننا نشك أن الدولة العراقية ستتمكن من احتواء كافة مكوناتها وبسط كامل نفوذها على ترابها الوطني لتكون دولة ناجحة يسودها القانون ويشعر الجميع فيها بالمواطنة وتكافؤ الفرص في ظل هذه التحديات ، وإصرار بعض الشركاء السياسيين على المشاكسة والمناكفة مهما كان الثمن . بل اني اشك شخصياً أن يعود بلدي الى ما قبل ١٠/٦/٢٠١٤ في المستقبل المنظور . اللهم خيب ظني وآمِنّا في وطننا إنك سميع مجيب . |