• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : هذا هو المعلّم! .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

هذا هو المعلّم!


اتّصلت بكاهنها تطلب إليه قدّاسًا، قالت: على نيّة الأستاذ جان الديك. تعجّب الكاهن من هذه السيّدة التي تطلب قدّاسًا على نيّة رجلٍ، أستاذ، لا يمتّ إليها بصلة قربى، وليس من قريتها حتى. وإن كانت قريةً جارة، والكاهن يخدم الرعيّتين. فأجابت:
- أنا أتقدّم من امتحانات لأجل وظيفة رسميّة. وإذا كنتُ اليوم قُبلتُ لخوض هذا الامتحان، فالفضل لمعلّمي جان الديك.
وتابع الكاهن معلِّقًا: "هذه ثمار المعلِّم، الأستاذ جان الديك". ولمّا سمعتُ الخبر، هتفتُ: هذا هو المعلِّم، هذا هو جان الديك!
في الحقيقة، جاء الخبر يوم عيد المعلّم، في 9 أذار 2015، على بُعد سنةٍ بالتمام من رحيله إلى السماء. غادر الأستاذ جان صعودًا ليلتقي المعلّم في عيدهما. راح يكلّل شخص المعلّم فيه بملء كيانه المعلّميّ، متوِّجًا دعوته بهامة المعلّم الإلهيّ! وبعد، عرفتُه!
عرفتُه معلِّمًا، بعضًا من كمال! ينقل المعرفة في عمقها، ليطالَ ناهلوها وسعَ المدى! يروح في داخل الحقيقة فينير مسالكَ يَعبُر من خلالها نحو العُلى! وفي العلى شفافيّة تحلّى بها، جاهر بأدبيّاتها، ودافع عن مراميها! وفي هذا الإطار، جان الديك هو مسلكُ إنسان. إنّه نهجٌ، وهجٌ من نورانيّةٍ عُلويّة!
لم يكنِ التعليم يومًا في مفهومه تلقينًا. ولا حتى دفقَ معارف. التعليم عنده مرافقةٌ نحو فوق، هو تربية تهدي الطالب ترقّيَ إنسانيّةٍ، زادَ طريق. وكم آلمه أن يرى في بعض مَن تعلّموا عليه التفاتًا إلى ما دون، أو سلوكًا اعترته الشوائب!
وعرفتُه أبًا، نعم عرفتُه أبًا لا كما يتّسمُ الآباء. فاقت في كيانه أبوّته لولديه كلَّ صفاته وتميّزاته. فهو يعبّر عن شخصه الأبويّ بكلّ ما أوتيَ، حتى العاطفة انسكابًا! لا حياءَ عنده في إظهار حبّه الأبويّ بمصداقيّةٍ لا مراعاةَ فيها لظرفٍ أو مجتمع! وتخطّت حالتُه الأبويّة حتى الأحفاد. حفيدان لوّنا حياته، لوحةَ شبابٍ أنعشَتْه نضارةً. وسكَب لهما مخزون قلبه ثمالةً، حتى الأفول.
كما عرفتُه رجلَ مبادئ. مبادئه من فيض إنسانيّةٍ اقتنع منذ البداية أنّها الرصيد، فاعتنقها! حضورُه البسيط إلى جانبكَ في حالات الفرح، كما في الصعوبات، يصوِّره أيقونةَ إنسانٍ حيّة، تأنسُ بها في كلّ الظروف. صمتُه يحكي إعلامًا بجهوزيّةٍ حالما احتجتَ إليه.
مبادئه هذه لا يحيدُ عنها. ينادي بها ضرورةً حتى الإلزام. حيادٌ عنها يثير غضبًا مقدَّسًا يُفلت منه بطواعيّةٍ حتى العصبيّة. ولا يُطيق في مجاله مساومةً! هذا المقدّس عندَه تحترمه، بل وتنحني أمامه بجلال، لِما تشعر بحبّه لكَ وتمسّكه برفعة الإنسان فيك.
وأحببتُه مؤمنًا! يدخلُ مخدعَه في عمق الليل يناجي حبيبًا إلهيًّا طالما قاد خطاه! في هجعة الليل قابعٌ في صومعته، ينسكُ تعلُّقًا بأهداب أمٍّ، عشق نفسه ابنًا مدلَّلاً لها. يغنّي محبّته البنويّة لأمومتها أنشودةً طفوليّةَ، ملؤه ثقةٌ باستجابة، فتطفو على محيّاه إغفاءةُ اطمئنان. وينتفض الأستاذ المؤمن بكامل مخزونه المعرفيّ، دفاعًا عن كلّ تعرّضٍ لأحبّائه السماويّين، فتخاله ابنًا وحيدًا يحيط والديه باهتمامٍ وحماية!
سنةٌ مضت، وأنتَ غائبٌ في الحضور. لقاؤنا الأسمى على مائدة الحبّ الأبديّ، حيث خبزٌ نتقاسمه كلٌّ من عليائه. تشركُنا أنت في عرس الحمل، الدائم الفرح والقدسيّة. وتشتركُ في تقدمتنا معك، حيث الشركة بيننا في حبّ الله!
سنةٌ مضت، ونحن نستقي من مَعينكَ المعلّميّ وحبّكَ الأبويّ. وننهل من قدس إيمانكَ فيضًا نغتذي به امتدادَ عمرنا. وكلّنا يقين أنّكَ تهيم فوقنا ببركاتٍ تستنزلها علينا، نُسيماتٍ سماويّة، قبسًا من حياةِ أبد!

                                                                    


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=62458
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 05 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13