• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الصِبا والحياة والنغم المكتوم!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

الصِبا والحياة والنغم المكتوم!!

ترعرعنا في مدينة سامراء المنورة بعبق الروح والفكر والثقافة والسحر والجمال , والمتناوسة على أنغام القراءات الفياضة النفحات والتهدجات الصداحة السامية , النابعة من قلوب نقية منغمسة بسلاف المحبة والإنتماء الأصيل للعروبة وجوهر اللغة والدين.
 
المدينة المتوجة بالحضارة , والمسافرة في  آفاق الإنسانية منذ مبتدأ خطوات البشرية , وأول تعبيراتها الفكرية والإبداعية والفنية , التي حفظها لنا "تل الصوان".
 
مدينة كانت ذات حسن ونكهة وأفياض روعة وسرور , وبهجة تتماوج على الشطآن , وتتلألأ في النفوس والمشاعر والوجدان.
 
وفيها كنا صبية نتمتع بالموسيقى والأدب والفن , والثقافة والشعر والمعارف العالمية في  مكتبتها التي أنشِئَت مع تأسيس دولة العراق في الربع الأول من القرن العشرين.
 
وكنا نجتمع في المساء لنداعب أحلامنا , ونباري أذهاننا , ونطلق ما فينا من الطاقات والقدرات , التي تميز كل واحد منا , ومن بيننا  الذي يمتعنا بصوته الشجي الرائع , وهو ينطلق مصدحا بالمقامات العراقية , وكان أخاذا ومؤثرا ورائعا , وبقي صداه في مخيلتي , حتى جعلني أتصور أن لا قارئ مقام يتفوق عليه , فكأنه وُلد والمقامات مزروعة فيه , فلم يدرسها أو يتعلمها على يد قارئ , وإنما هي موهبة كامنة فيه وتفتقت كالبركان.
 
ودارت الأيام وفعلت فينا الحروب والحصارات فعلها , فتفرقنا وتشتتنا في بلاد الغرب أوطاني , وقبل بضعة أشهر تواصلتُ مع صاحب النغم المكتوم , فأيقظ أيام الصبا , وأعاد مياه الحياة الإبداعية إلى مجاريها , وكنت متشوقا لسماع المقام العراقي بصوته المنحوت في ذاكرتي, وإذا به يصدح شاديا عبر الهاتف , فألهب روحي وأجج مشاعري وأشعرني بالحياة التي كنا نتطعم بها ونتغرغر بهنائها , والبراءة والصفاء يحفان بنا.
 
الإنسان الرائع الموهوب العذب الروح , لا يزال بذات الصوت الجميل محافظا على روح الموهبة التي حباه الله بها , لكنه تمنّع عن البوح بها وإطلاقها , لأنه من عائلة متدينة , تأبى عليه الغناء , وتوصيه بأن لا يغني أبدا.
 
والموهبة ليست ملكا للشخص أو للعائلة , إنها رسالة الحياة للحياة!!
 
لكن صاحب النغم المكتوم لقوة موهبته وفوران طاقاتها إتخذت طريقا آخر , فبرع بالرسم والسيراميك , حتى قدم لوحات ذات قيمة فنية عالية , وقطع سيراميكية رائعة الصياغة والتقنية والأصالة , التي تحمل روح المدينة التي نشأنا في مواطنها الغنّاء.
 
تحية لصديق الصبا , الذي أعادني للرسم بعد أن سرقه الطب والقلم مني , وأبهجني بعطاءاته الفنية , ذات الحضور العالمي والإنساني السامق , كملوية وجودنا الروحي والفكري الشماء!!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=62262
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 05 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12