توالي الإندحارات تؤدي إلى متوالية الإنتحارات.
وما دامت الأمة قد جمعت رصيدا مروعا من الإندحارات فأنها في دروب الإنتحار الأكيد.
وما يتحقق في ربوعها إنما يشير إلى هذا السلوك الإنتحاري المتواصل والمتفاقم.
فالأمة تقتل نفسها بنفسها , وتنقض على وجودها بوحشية فتاكة غير مسبوقة , تفوقت على قدرات أعدائها في تدميرها.
فالقتل صار مباحا وسلوكا عاديا ويوميا متكررا على مدار ساعات أيامها , دون إكتراث أو تورة إحتجاج ورفض , بل أن البشر أصبح في عرف إنحدارها أرقاما تمحى كل يوم على قدر المستطاع , حتى صارت الدنيا تحسب ذلك من طباعها , ولا يعنيها إن قتلت الأمة من أبنائها الآلاف كل يوم.
فناعور الهلاك يدور بسرعة مرعبة وبأساليب معاصرة ومهارات عجيبة , حولت كل موجود إلى شيئ بلا قيمة , وأصبح دين الأمة عدوها وقاتلها ومدمرها , وتأليب الدنيا عليها , لأنها وفرت للمنحرفين من أبنائها أجواء مواتية للتفاعل والتنامي , والتحول إلى سرطان سريع الإنتشار وشديد الإنقضاض على وجودها بأكمله.
وفي كل بضعة سنوات تلد الأمة مسميات ومجاميع وتحزبات , تسعى لزيادة وتيرة الهجوم عليها وإستنزافها وسفك دمها , وتجفيف ينابيع حياتها مما أدى إلى مغادرة أبناء الأمة لأرضهم , فالعرب اليوم هم أكثر البشر هجرة لأوطانهم , ولا توجد مثل هذه الهجرة المروعة في تأريخ غيرهم من الأمم المعاصرة لهم.
وفي خضم التداعيات المتنامية , تجد الأمة فاشلة في إقامة النظام السياسي الذي يحفظ سيادة أوطانها , ويبني المؤسسات ويوفر الخدمات الكفيلة بإسعاد الإنسان , وإنما جميع ما قامت به ثوراتها وأحزابها وحكوماتها , هو قهر المواطن وظلمه والإمعان بأسره بالحاجات وتكبيله بالويلات والحروب العبثية , التي أنفقت فيها ثروات النفط لتحويل وجودها إلى دم ودخان وحطامات متواترة.
وفي هذه المعادلة ذات التفاعلات السلبية الحارقة المريرة , تتبين آليات وكيفيات الإنتحار الحضاري الذي تمر به الأمة من أقصاها إلى اقصاها.
إنها تنتحر ولا تعرف مخرجا من طامتها الكبرى إلا بالإنتحار!!
وإنتحارها يمضي بتسارع وتكالب مخيف , لأنها أخذت تستدعي جميع قدرات الأرض لقتلها , ومحق وجودها بما وفرته من فرص لتنامي آفات الشرور الطاعونية على أرضها.
هذه الأمة المنتحرة الطباع والسلوك , هي التي جنت على نفسها ودينها وعقيدتها وتأريخها , وتراثها ولغتها وعزتها وكرامتها.
ولا زالت لا تتبصر , وإنما تعيد إسطوانة إنهم الذين فعلوا وخططوا , وهم وهم , وهي البريئة النزيهة المقدسة.
وما سمعناها تقول بأن السبب فيها وبعقول قادتها , وفشل أنظمتها السياسية المنحطة أخلاقيا وثقافيا وسياسيا.
أنظمة لا تعرف الدستور والقانون , ولاتفهم إلا أن ربها ودينها ووطنها الكرسي والكرسي وحسب.
فهل ستفيق من سلوكها الإنتحاري , وتتعلم أن الحياة تكون أفضل بالجد والإجتهاد , والإعتصام بالوطن وبالدستور الصالح القويم.
أمْ أنّ الإنقراض حتمي والإنتحار أكيد أكيد!!
|