افتتاحية جريدة الحقيقة
أولاً وقبل كل شيء، أود أن أقبل الأيادي الطاهرة لأبطال عصائب اهل الحق، التي أصابت المجرم عزت الدوري وقتلته يوم أمس الأول، فهذا المجرم الذي عاش هارباً ومرعوباً طيلة اثني عشر عاماً، وقبلها كان قد عاش ذليلاً تابعاً لصدام، تمكن من الإفلات من الموت مرات عديدة، حتى وصفه البعض (بالبزونة أم سبعة أرواح)!! لذلك فإن خبر مقتله – الذي شككت به الكثير من القنوات السعودية والخليجية أمس، رغم الصور المؤكدة لجثته مقتولاً، ورغم أن محافظ تكريت أعلن الخبر بنفسه رسمياً، إلاَّ أن قنوات العهر العربي تبنت بيان حزب البعث النافي لمقتل زعيمه البائس، وركلت كل الوقائع الأخرى.. لذا فإن هذا الخبر أسعد ملايين العراقيين من ذوي ضحايا المقابر الجماعية، رغم أن عزوز لا يساوي عندي (ست أدراهم)، سواء في القياسات السياسية أم العسكرية أم الاجتماعية أم التعبوية!. فالرجل منتهية صلاحيته من قبل أن يصنَّع، ويعرض في الأسواق.. فالشارع العراقي أسقطه اجتماعياً وسياسياً، وجعله (ملطشة ومنفضة جگاير) منذ سنين بعيدة، فالويل الويل لمن يدخل في مزاج العراقيين، (ويوگع بلسانهم الباشط).. وللحق فإن عزت الدوري لم يكن الأول في هذا الموقع الهزيل، فقد كان قبله أشخاصٌ كثيرون أبتلاهم الله ببلائه، ورماهم عصفاً في أفواه وألسنة العراقيين، ولم يغادروا تلك الأفواه الفكهة، والألسن الحادة، الاَّ وقد أصبحوا مثل (حضينة الرضعان)!! ولعل من أبرز هذه (الحضاين)، الرفيق المؤسس ميشيل عفلق الذي صار علكة يمضغها العراقيون، وهم يسخرون منه، ويضحكون على هزالته، وعبوديته لصدام، وكذلك رئيس الوزراء (العفيف) جداً طاهر يحيى (أبو فرهود)، والرئيس الذي (صعد لحم ونزل فحم) عبد السلام عارف (وخال السيد الرئيس) الحاج خير الله طلفاح (حرامي بغداد)، ووالدة (السيد الرئيس) المرحومة صبحة، التي قيل فيها من التعليقات، والتشبيهات والأوصاف مالم يُقل في غيرها قط. إذ لا يذكر العراقيون أسم صبحة، الاَّ ويذكرون معه (أم سبع رجولة) !! مع أن المسكينة، وبشهادة شيوخ تكريت، وعجائزها لم تتزوج سوى (أربع رجولة فقط)!! نعم لقد لعب العراقيون (طوبة) بهذه الأسماء، وجعلوها أضحوكة في الشارع.. وحين جاء الدور لعزت الدوري، تم استلامه استلاماً لائقاً، فدخل (مزاج) الناس، وبدأ (الشغل عليه) مبكراً جداً، والمضحك أن الدوري جاء متطوعاً الى (حشاشي) الشارع العراقي، وكأنه يقول لهم: (يلله إجيتكم برجلي اشتغلوا)!! فهيئته (المخربطة)، ولونه الأحمر الناشز، وملامحه الكاريكاتورية، وغباؤه المزعج، وهزال شخصيته وضعفها، وبلادته المعروفة، وأميته التي تفوق بها على كل (زملائه) في القيادة القطرية، (ولواگته) غير الطبيعية.. ساعدت على رسم صورة فنتازية عنه لدى كل مواطن عراقي. وبما أن الحديث عن (عزوز)، وأن مزاجي اليوم رائق تماماً، دعوني أستذكر لكم حادثة جرت أمامي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، تؤكد الغباء التاريخي للرفيق (أبو أحمد)! فقد كنت ألعب في فريق المشاة (الذي سُمّي بعدها بإسم قوات نصر)، حين استدعيت للخدمة العسكرية الإلزامية آنذاك، وقد ضم هذا الفريق الذي يدربه المدرب القدير كاظم صدام، عدداً من اللاعبين المرموقين الذين ألتحقوا مثلي بالخدمة الالزامية، ومن بينهم ضرغام الحيدري، وحسن سداوي، ولطيف لبيب، ورزاق خزعل، وعادل علوان، وحسام نعمة، وعلي صابر، وغيرهم. وقبل نهاية الموسم تغلب فريقنا في بطولة دوري القوات المسلحة، على فريق القوة الجوية الذي كان يضم آنذاك نصف لاعبي المنتخب الوطني، فصعد فريقنا بهذا الفوز الى المباراة النهائية، ليلعب المبارة النهائية مع فريق الحرس الجمهوري (الذي كان قد تشكل حديثاً) بعد أن طُعِّم بعدد من لاعبي منتخب الشباب العراقي، الفائز تواً ببطولة آسيا، وقد أخبرنا المسؤولون أن (عزت الدوري وزير الداخلية آنذاك)، ونائب مسؤول المكتب العسكري لحزب البعث سيرعى مباراتنا النهائية. وفعلاً فقد حضر الدوري الى ملعب الشعب، ونقلت المباراة تلفزيونياً، وانتهت المباراة بفوزنا بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد لفريق الحرس الجمهوري، وقد سجل هدف الفريق الخصم خطأ مدافعنا حسام نعمة، وحين تم توزيع الميداليات على لاعبي الفريقين، فوجئنا جميعاً باهتمام غير طبيعي من قبل راعي المباراة (السيد عزت الدوري) واحتفائه باللاعب الأسمر حسام نعمة، ثم قال له مهنئاً: (أن الهدف الذي سجلته اليوم يا ولدي هو أجمل هدف أراه في حياتي، فسلمت قدمك التي سجلت هذا الهدف الرائع) !! وهنا أرتبك اللاعب حسام نعمة خجلاً، فتعثرت قدماه بقدم زميله، وهو يتسلم ميداليته، حتى كاد يسقط على الأرض، مما جعله يمضي باكياً الى (المنزع)، فقد كان حسام يظن أن الوزير (يسخر منه).. وما أن دخلنا المنزع، ووجدنا حسام يبكي، حتى صاح به اللاعب عادل علوان ضاحكاً: (هاي شبيك حسام، لك ثق بالله العظيم هذا الوزير ما يستهزئ بيك، ولا يسخر منك، بس الرجَّال مطي وكل شي ما يفتهم، لك تصدِّگ هو عباله انت سجلت الگول على الخصم مو على فريقك، بابا هذا زمال مبيِّن ماتشوفه؟ وعيونك ما يعرف منو أحنه، ومنو ذاك الفريق!! فضحكنا، وخرجنا خائفين من المنزع، لنفاجأ بضابط الألعاب يخبرنا بأن الوزير عزت الدوري قد منح كل لاعب سجل هدفاً مئة دينار تكريماً له، باستثناء اللاعب الأسمر حسام نعمة، الذي كرمه بمائتي دينار (لأن هدفه أجمل أهداف المباراة)!! وهنا قفز عادل علوان نحو حسام نعمة، وهو يقول له بصوت عال: (ها لك حسام أشگتلك.. مو گتلك السيد الوزير مطي)!!