الألفة من التآلف , والمخلوقات بأسرها تحقق هذا السلوك بعواطفها لا بعقولها , فالعقول تتخالف والقلوب تتآلف , وذلك قانون خلقي يسري على جميع الخلق.
وهذا يعني أن إختلاف الرؤى والتصورات من بديهيات الوجود الحي , وهذا الإختلاف لا يمنع تآلف القلوب وتفاعل الموجودات لتحقيق رسالة التواصل والبقاء.
فالألفة ذات غايات خفية لا واعية تؤهلها لبلوغ رسالة الديمومة والتطور والرقاء , والنماء والإنتشار الصالح في أروقة الحياة وبقاعها الشاسعة.
ومن الواضح أن الزوج والزوجة لا يتفقان في الكثير من الرؤى والتصورات , لكنهما يتآلفان ويؤسسان لعائلة ويربيان أطفالا , ومعظم الزيجات في المجتمعات كافة , إنما هي تآلفات قلبية عاطفية وليست عقلية , وترى في العالم المتقدم تحقق الزواج ما بين أجناس بشرية متنوعة ومختلفة بكل شيئ , لكنها تتآلف وتتوافق وتصنع الحياة الأروع , ذلك أن إرادة الحياة تفرض قوانينها وتحقق تطلعاتها وطموحاتها الكامنة في موجوداتها بأنواعها.
وعليه فأن الإختلافات لا تنفي الألفة , وإنما تعززها وتمنحها طاقات تجدد كبرى , تساهم في تنمية قدرات التفاعل والتواصل والإبداع الأصيل , الذي يحقق التراكم المعرفي الإبتكاري الذي تجود به الأجيال , فأكبر المخترعات قد أوجدها الذين أنجبهم التآلف الإختلافي , أي الذين ولدوا من أبوين مختلفين بكل شيئ.
والمجتمعات القوية أدرك قادتها وحكماؤها ضرورات الإختلاف , وآليات التآلف الحضاري الإنساني اللازم لصناعة سبيكة الوجود الأمتن , للوصول إلى أقصى قدرات الإبداع والتفاعل الأصيل المتجدد , مما يعزز إمكانيات بلوغها درجات تطورية ومستويات إرتقاء ونماء غير مسبوقة أو متحققة في غيرها.
بينما المجتمعات الضعيفة تعارض بديهيات الحياة , وتتحدى مناهجها التآلفية , وتسعى في دروب التصورات الهذيانية والوهمية , التي تتسبب لها بخسائر حضارية فتاكة , لأنها تتقوقع في منغلقات متصورة , وأنفاق ظلماء تنحشر فيها وتتدافع وتدوس على بعضها , وعليها هيمن الرعب واشتدت ويلات ذات قدرات إنفعالية سلبية تساند طاقات الشرور والخراب والدمار , الذي يكون من أسمى أهدافها وأقصاها.
فالألفة بأنواعها, الوطنية والإنسانية يمكن تحقيقها عندما تعي قيادات المجتمعات ذلك , وتنأى بخطاباتها ودعواتها عن مقاتلتها ونفيها , فالبشر بطبيعته يميل للألفة , لكن دعوات النفور هي التي تزرع العناصر المناهضة للأخوة الإنسانية.
فهل سنختلف ونتآلف؟!!
د-صادق السامرائي
|