يعتبر الملف الإيراني النووي الأعقد والأطول, لقرابة أربعة عقود لأهميته ولإبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية, كون يرتبط بمفاتيح السيادة في الشرق, أمام هيمنة أمريكية, التي تستخدم سياسة لي الأذرع مع منافسيها.
ألا إن إيران الإسلامية, والتي أرادت أن تكون ملاذ للقوى النامية, والمتضررة نتيجة الحروب والسياسات الاستعمارية, طيلة العقود المنصرمة, إذ لم يحلو للدول العظمى, إن ترى هناك ملجأ يجتمع حوله من هو معارض لما تسميه إيران بالشيطان الأكبر, لذا بدأت بتحريك النظام العراقي آنذاك وبدعم النفط الخليجي, لشن عليها حرب ثمان سنوات, لإرهاق ثورتها الفتية, وبعد إن فشلت خططها, وخروج إيران منتصرة استمرت بتطبيق العقوبات الاقتصادية عليها, بمساندة الدول الغربية في محاولة للتأثير على الشعب الإيراني نفسياً واقتصادياً, وتطويق السياسة الخارجية, ومنع تعزيز ترسانتها العسكرية, ألا أن الجمهورية الإسلامية نجحت باستثمار كل إمكانياتها الاقتصادية والبشرية للوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي, بإقناع شعبها بأن ما يحدث هو حرب عقائدية بين قوى الخير وقوى الشر, والانتصار في النهاية للمؤمنين ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) مما جعل الشعب الإسلامي يقف صف واحد مع حكومته, رغم المعاناة ألمعاشيه التي يعاني منها.
ورغم ذلك بدأت أمريكا والدول الأوربية باستخدام الضغط السياسي الخارجي على إيران, في محاولة لإغلاق جميع الأبواب التي تعتقد الدوائر السياسية والمخابراتية, بتقديمها أي مساعدات لإيران, حتى وصلت الحالة بالتشكيك بالنوايا الإيرانية, بوجود مصانع لتخصيب اليورانيوم الجرثومي, وانطلقت لتشكيل فريق 5+1 للتفاوض من اجل الوصول لصيغة نهائية حول امتلاك إيران للطاقة النووية السلمية, فأمريكا التي لم تذخر جهد على الضغط على إيران, راحت الأخيرة تستخدم السياسة (الصبر مفتاح الفرج) للدفاع عن حقها, فأخذت أمريكا تستخدم الشد والجذب, للضغط على الجمهورية الإسلامية لانصياع لإرادتها, ولكن إسناد (دول بريكس) صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم, والتي من الممكن أن تحل محل المحور الرأسمالي, والتي تعتبر الغريم القوى للتحالف الغربي, اخذ تلك دول بتقديم كل المعونات الاقتصادية والمالية والسوقية لإيران, مستفيدة من إنتاجها النفطي الكبير, وموقعها الاستراتيجي المطل على العديد من المنافذ البحرية المهمة, محاولة الوقوف بوجه التوسع الاستعماري الغربي.
ألا أن إيران نجحت في السنتين الأخيرتين بإخضاع أمريكا وحلفاءها, للبدء بالمفاوضات رغم ممانعة فرنسا المتشددة في المفاوضات, والتحرك الإسرائيلي لكسب إطراف الجمهورية أمريكية الرافضة للتفاوض, للوقوف بوجه أي تقدم لأصالح إيران, كون أن إسرائيل تعترف بالخطر الإسلامي على وجودها في المنطقة, فإيران التي اختارت مدينة لوزان كمحطة أخيرة لعقد اتفاقية اعتراف الإرادة الدولية بأحقيتها بتخصيب اليورانيوم السلمي, أعلن وزير سياستها الخارجية, إن هذه الاتفاقية النووية تعد اكبر انتصار لإيران ونجاح للخارجية, إذ ستفتح الباب الحلول الايجابية للملفات العالقة الاقتصادية والأمنية والسياسية في المنطقة, وموافقة الدول الخمس على استمرار إيران بصناعتها النووية, ورفع كل العقوبات الاقتصادية والسياسية عنها, وإلغاء جميع القرارات الأممية بخصوص المقاطعة الغربية والأمريكية لها, وبذلك خرج الجميع رابح وفق (نظرية الكل رابح) ولا يوجد خاسر, ألا أن الحقيقة تشير إلى الفوز الساحق للإسلام السياسي, بعقلية الحكيم الصابر.
|