المرجع الديني آية الله العظمى السيد المرعشي ( رحمه الله تعالى عليه ) الذي توفي قبل سنوات في قم المقدسة
ينقل القصة التالية ( 1 ) :
كان رجل من المؤمنين شخصاً ظاهر الصلاح , يحضر صلوات الجماعة وهو ملتزم بالأداب الشرعية , وهذا المقدر يكفي في أثبات العدالة شرعاً ( 2 ).
يقول السيد رحمه الله : كنت أعرف هذا الشخص وعلى مرور الأيام وثقت به , لأنه لم أرى شياً يخالف عدالته , وكانت هناك أموال تأتيني , فكنت أعطيها لهذا الرجل ليقوم بها حسب الوظيفة الشرعية .
وهكذا أستمر الأمر لعدة سنوات .
وفي كل مره كنت أقدّم له من المبلغ :
فأحياناً ألف تومان , وأحياناً عشرة آلاف , وربما عشرين آلف , وربما أقل أو أكثر , وكان يأخذ الأموال ليقوم بالواجب الشرعي المعيّن شرعاً .
وفي يوم من الأيام والسيد المرعشي ( رحمه الله علية ) جالس في بيته جاء هذا الرجل وهو يقول : سيدنا أنا عندي كلام خاص معكم في غرفه خاصة لا أريد أن يطلع عليه أحد غيركم .
فلمى خلّى المكان من الحضور , قال : سيدنا أنا قد خنتكم خلال هذه السنوات الماضية , حيث كنت أستلم الأموال ولا أقوم بالواجب , فأكلت الأموال ولم أصرفها في المورد المقرّر شرعاً .
فتأثر السيد المرعشي ( رحمه الله علية ) كثيراً وقال متعجباً : وهل أنت صادق في هذا الكلام ؟
قال : نعم , أكلتها جميعاً , أن الشيطان قد لعب بي .
نعم ربما يتلاعب الشيطان مع الأنسان ويخدعه ولكن يبقى ضمير الأنسان ووجدانه حياً , فعلية أن يفكر : الى متى استمر على طاعة الشيطان ؟ الى متى أكون ألعوبة بيد أبليس ؟ يقول لي : افعل أفعل , ويقول لي : لا تفعل فلا أفعل .
على الأنسان أن يعلم بأنه أقوى من الشيطان فيقول لنفسه : أنت أقوى من الشيطان , فيتوب ويتدارك ما فاته .
يقول السيد المرعشي رحمه الله علية : تأثرت جداً من كلامه , وقلت له : ألا تستحي من الله , ظاهرك الصلاح وتخون ؟ وكيف تخون الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وكيف تخون الأمام الحجة ( عليه السلام ) ؟ وكيف تخون الناس ؟ أنت تخدع الناس بهذا النظر والمظهر الصالح , وتأكل أموالهم بالباطل .
قال : سيدنا هذا الذي حدث , وأنا نادم على ما فعلت , فما هو تكليفي الآن ؟ أني أريد التوبة الحقيقية ومستعد لكل ما تقول .
قلت له : فلنحسب كل هذه الأموال .
فحسبناها فكانت كمية كبيرة جداً .
فقلت له : يجب عليك أن تدفع كل هذه الأموال تبرأ ذمتي وتقبُل توبتي ؟
قال له السيد : نعم , (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( 3 ) .
يقول السيد قلت له : كيف تدفع هذه الأموال الكثيرة ؟
قال : عندي دكان ارتزق منه , ويدر عليّ وعلى عائلتي معيشتي , فأذهب وأبيع الدكان لأتخلص مما في ذمتي .
قلت له من أين تعيش أذا بعتَ الدكان ؟
قال : لا أعلم , ولكن حسبي الله ونعم الوكيل , المهم أن أتخلّص من الشيطان ومما في ذمتي من أموال الناس .
وفعلاً ذهب الرجل التائب وباع دكانه وهو مصدر رزقه الوحيد , وكان المبلغ كبيراً بقدر ما في ذمته , وجاء بكل ذلك المبلغ وسلّمه للسيد المرعشي ( رضوان الله عليه ) .
ومن الواضح أن بعد بيع الدكان لا مورد لرزقه وعلية أن يعاني في عيشه كثيراً , ولكن هذه الأراده الشجاعة التي تقهر الشيطان .
وعلى الأنسان أن يتحلى بهذه الأراده القوية , حتى لو كان نظام حياته يختل بالكامل , ولكن (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ ) ( 4 ) .
نعم يقول السيد المرعشي قدس سره : وبعد أيام معدودة جاء شخص وقال لي : أن الحاج فلان قد توفي .
فهنيئاً له حيث توفي طاهراً وقد برأت ذمته من أموال الناس , صحيح أنه كان قد تلوّث ولكن تاب وتدارك الأمر قبل قوات الأوان .
يقول السيد رحمه الله : فذهبنا وقمنا بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .
هذه قصة سهلة في نقلها , ولكن صعبة جداً في تطبيقها .
أنه موقف عظيم , فهل يستعد الأنسان أن يتخلّى عن كل حياته ؟ عن كل أمواله , عن كل ما يملكه وما ادخره لكي يلقي الله سبحانه وتعالى طاهراً مطهراً ( 5 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) السيد المرعشي : هو السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي , المولود سنة 1318 هـ والمتوفى سنة 1411 هـ , من أكابر علمائنا ومراجعنا , وهو صاحب المكتبة المعروفة بأسمة التي تضم الآلف من الكتب المخطوطة الثمينة .
( 2 ) العدالة في الاصطلاح الفقهي : لإتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشئ عن الملكة النفسانية ، فهي على ذلك أمر عملي وليست من الصفات النفسانية ، وإن كان ذلك العمل مسبباً عن الصفة النفسانية وباقتضائها
( 3 ) سورة الزمر : 53 .
( 4 ) سورة الضحى : 4 .
( 5 ) القصة بتصرف من لسان أحد تلامذتة |