• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : بداية اليقظة .
                          • الكاتب : خيري القروي .

بداية اليقظة

 لكان شيئا ما ثمينا جدا تحطم في داخلي ...
وبعد تحطمه شعرت بان الدنيا لم تعد ذات قيمة ...وان ساعات اليوم الواحد تمر ببطء ..وانه لا طعم فيها سوى طعم الملل والرتابة ...لم يعد لشروق الشمس معنى بعدما اوصدت بوجهي نافذة الامل ...ولا معنى لشروق الشمس إلا لتذكرني بالافق الكئيب الذي اخذ يزحف على قلبي  ...
اهكذا تفعل بنا الخيبات ...؟
وبعد تلك الكبوة الشديدة ..لم يكن بوسعي ان انهض لاواصل الجري ...كنت اسير في شارع الرشيد مريض النفس ليس لدي ذرة من الهمة لكي اواصل الحياة من جديد ..وليس بوسع مهرجان  الاضواء والالوان ان يثير في نفسي الشهية لحياة صاخبة ...
وعند اول كرسي في (كازينو .....) رميت بجثتي كما يسقط الموتى ...
ولما وقف الخادم على راسي لكي اامره بما اشتهي اشرت اليه دون ان اتكلم وفهم مرادي ومضى ...
كاس واحدة لا تكفي ...ولا حتى كؤوس ..لا يكفي حتى بحر من الخمر اشربه ...
اني لفي حاجة الى اخماد احساس آخر عصب في دماغي ينبهني بوجود العالم من حولي ...ينبهني لدفق الحياة من حولي ..اريد ان اغيب عن الوعي تماما ..الوعي بالماضي والحاضر وحتى المستقبل طالما ان لونه مستمد من لون الماضي والحاضر ..شجرة الوعي ارغب في اقتلاعها من الجذور ..لا ابقي على جذر واحد منغرس في ارض الواقع لئلا يذكرني بألم السقوط من مشارف القمة الى الاسفل ...
ولمحني احد الاصدقاء كان مارا في الشارع ..فتوجه الي وعلى وجهه ابتسامة وضاءة فكرهت ابتسامته الى حد الذي فكرت فيه الى الاساءة اليه واشحت بوجهي عنه لكنه كان مصمما على اقتحام وحدتي قائلا :
_  تجلس وحيدا وعليك من الحزن حلة جديدة ...السلام عليكم
_ السلام قبل الكلام وليس الكلام قبل السلام يا جاهل ...
_ الحمد لله ..كلامك دليل على انك ما زلت صاحيا ..
_ لا تكن حشرة متطفلة ...اتركني لحالي ..
_ كيف اتركك فريسة للهموم والوحدة ..الهم طريق مفتوح على عالم الجنون ..اسمح لي ان اسري عنك قليلا ..وان ادلي اليك بحبل النجاة لانتشلك من بحر الاحزان الذي انت غارق فيه .
_ لا لا ..هذا وهم .. اتركني لحالي ..لقد غمرني الماء واني في طرقي الى القاع ..في طريقي الى الموت ..اغرب عني ..انت من الاحياء وانا من الاموات ..والحي مع الميت لا ينسجمان ..هل تفهم ما اقول ..؟
_ لا استطيع ان افهم كيف يعلق الانسان ثقلا في عنقه ثم يرمي بنفسه في بحر الهموم لينتهي به الثقل الى الاعماق ..!
_ لديك وسيلة واحدة لكي تفهمني وتتواصل معي ..بل وتقف الى جانبي ..وهي ان تقترح علي طريقة جميلة للانتحار ...!!
_  عفوا ..لا يطاوعني قلبي ان افدم لاصدقائي باقة من زهور الموت ..تعودت ان اقدم لهم باقة من زهور الحياة ..اعذرني واسمح لي ان اقرب من انفك زهرة من زهور الحياة ..وما عليك الا ان تزفر زفرة عميقة لتخرج من صدرك الروائح الكريهة الممزوجة بسم الياس واللامعنى ..ثم بعد ذلك لتاخذ شهيقا عميقا يعد ان تدس زهرة الحياة الحقيقية في انفك ..وحينئذ صدقني بانك ستتصالح مع الحياة ..بل وستحبها ..وستبخل بنفسك على الموت لكي تحياها ...
 _ الي بزهرتك السحرية هذه ايها الساحر العظيم بعد اندثار السحر والسحرة ..الي بها وان لم تفعل فعلها الذي وصفته فلن يكون جزائك عندي الا الموت ..!
_ حمدا لله ما حسبتك تلين بهذه الصورة ..انها البادرة الاولى لنية الخير ..اعطني يدك وانهض معي ..فهذا مكان دنس لا تنبت في ارضه الزهور التي وصفتها ..انها تنبت في الارض الطيبة ..الارض النظيفة ..وما ابعد هذا المكان من النظافة والطهارة ..الخطوة الاولى هو ان اخذك الى المكان النظيف ..والخطوة الثانية هي ان تغتسل بالماء اولا والبراءة والنية الحسنة ثانيا ...
ولا ادري لماذا اعطيته يدي واسلمت اليه نفسي ومضيت معه الى المكان النظيف الذي هو بيته ..
دخلت الحمام لاغتسل بعد ان زودني ببعض المعلومات ا لتي كنت اجهلها ..وخرجت ولدي احساس بالهمة والنشاط  ...استقبلني بابتسامة جميلة احببتها وندمت على انه سبق لي وان كرهتها  ..
ولما جلست ..قدم لي شايا ساخنا وكوبا من الحليب ..ومضى الى الداخل ..
وجبت بنظري الى الاشياء من حولي , فوجدتها جميلة ومرتبة تنم عن نظافة اهل البيت وحسن ذوقهم ..وقد استرعت بصري تلك الصور المؤطرة ياطارات جميلة والمتظمنة لسور من القران الكريم بخط عربي جميل (اذكروني اذكركم) , (الله نور السماوات والارض) , (لا اله الا هو الحي القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم ), (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) , (احسبتم ان تدخلوا ولما يعلم الله الذين امنوا) 
كل شيء يذكر الانسان بان ثمة قوة خفية ...قوة مهيمنة تفرض سيطرتها على كل شيء في هذه الحياة ..وفي هذا الكون ..
جاءني وقد علق على شفتيه ابتسامته المعهودة ..
قال وهو يقدم لي مصحفا كبيرا :
_ هذا هو القرآن كتاب الله المجيد ...اشطب على صفحات حياتك الماضية ..وافتح صفحة جديدة ..وخير ما تبدأ به  هو كتاب الله العزيز ..وسأفرش لك سجادة الصلاة وادعوك للمثول بين يدي ملك الملوك ...تضرع اليه ليقدح في مغاور قلبك المعتمة شرارة الايمان .
وفعلت كل ما اشار الي به دون تردد ...لعلني اقول باني شعرت بحلاوة الاكتشاف الجديد بعد كراهيتي للحياة ..
وبعد تلك الليلة التي لم انسها شعرت بان شيئا ما في داخلي كان نائما فاستيقظ ..وباستيقاظه استيقظ كل شيء في ..وبدا الشيء الذي سبق وان تحطم في داخلي يتشكل من جديد ..وأخذت شجرة المعنى تنمو في تربة قلبي وتتبرعم ...
وها انا الآن ارى جذورها منغرسة في كل خلية من خلاياه لا تأتي عليها الريح مهما كانت عاتية ..ولا تنال منها الظروف مهما كانت قاسية ..وبدأت احس لكل شيء طعما حتى دمعة الحزن ومرارة الالم  ...
هل انسى تلك الليلة ..؟
كيف انساها وهي عتبة لحياة جديدة ...
وهل انسى ذلك الصديق ...ذلك الانسان العظيم ..؟
كيف وقد خلصني من الحجر الثقيل الذي ربطته في عنقي لكي يغوص بي الى الاعماق
لا ...لن انسى تلك الليلة المعجزة  ...
ولن انسى ذلك الصديق النبيل ... 


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=58413
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13